فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

استعمار سرت الليبية 1912، الاحتلال الذي سبق الفاشية الإيطالية وكشف فظائعها

المقاوم التاريخي
المقاوم التاريخي للاستعمار الإيطالي عمر المختار، فيتو

 في مثل هذا اليوم من عام 1912، دخلت القوات الإيطالية مدينة سرت في ليبيا  ضمن سياق حملة عسكرية أوسع كانت تهدف إلى تثبيت السيطرة الإيطالية على ليبيا بعد عام واحد فقط من اندلاع الحرب الإيطالية – العثمانية، واحتلال سرت لم يكن حدثًا معزولًا، بل حلقة ضمن مشروع استعماري حاولت إيطاليا من خلاله أن تحجز لنفسها مكانًا بين القوى الأوروبية الكبرى في مطلع القرن العشرين.

لماذا ليبيا؟ ولماذا سرت؟

مع بدايات القرن العشرين، كانت إيطاليا تعاني من تأخر نسبي في السباق الاستعماري مقارنة بفرنسا وبريطانيا، ومع تضييق الخناق الأوروبي على مناطق النفوذ المتاحة في أفريقيا، بدت ليبيا الخاضعة اسميًا للدولة العثمانية هدفًا مناسبًا، موقع استراتيجي على المتوسط، ثروات زراعية محتملة، وضعف السيطرة العثمانية الفعلية على الأطراف.

وسرت تحديدًا مثلت نقطة محورية في الحسابات الإيطالية، فهي تتوسط الساحل الليبي، وتربط بين برقة وطرابلس، ما جعل السيطرة عليها خطوة ضرورية لتأمين خطوط الإمداد وتوسيع النفوذ العسكري. كما أن المدينة لم تكن محصنة تحصينًا قويًا مقارنة بمراكز أخرى، ما سهل عملية الاحتلال نسبيًا في بدايتها.

ماذا حدث بعد احتلال سرت؟ 

رغم إعلان إيطاليا السيطرة على سرت، فإن الواقع على الأرض كان أكثر تعقيدًا، والقوات الإيطالية واجهت مقاومة محلية، اتخذت في كثير من الأحيان طابع حرب العصابات، وعمل عدد من أعلام المقاومة على رأسهم عمر المختار لتوسيع رقعة الرفض الشعبي للاحتلال في الداخل الليبي، ومع انتقال البلاد رسميًا إلى السيطرة الإيطالية بعد توقيع معاهدة أوشي مع الدولة العثمانية عام 1912، لم يتوقف الصراع، بل دخل مرحلة أكثر دموية خلال السنوات التالية.

في العقود اللاحقة، خصوصًا خلال فترة الحكم الفاشي في إيطاليا، لجأت سلطات الاحتلال إلى سياسات قمعية واسعة شملت التهجير القسري والمعسكرات، في محاولة لإخماد المقاومة، لا سيما في مناطق وسط وشرق البلاد. غير أن هذه السياسات لم تنه جذوة الرفض، بل عمقت الهوة بين المستعمر والسكان المحليين.

ومع هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية وتقدم قوات الحلفاء في شمال أفريقيا، فقدت روما سيطرتها على الأراضي الليبية، لتنتهي رسميًا مرحلة الاستعمار الإيطالي، ويدخل البلد مسارًا جديدًا انتهى بإعلان الاستقلال عام 1951، ليبقى احتلال سرت عام 1912 شاهدًا على مرحلة حاولت فيها إيطاليا فرض حضورها بالقوة، لكنها غادرت في النهاية تحت ضغط التاريخ والجغرافيا، ومقاومة لم تتوقف حتى تغيرت موازين العالم.