استقيلوا يرحمكم الله!
من يتحمل مسئولية العكننة على أكثر من 110 ملايين مصري.. إلى متى سنرى تراجعا في مستوى منتخباتنا وانديتنا حتى تفوقت علينا دول لم تكن تحلم بأن تلعب مع فرقنا أصلا.. إلى متى سيظل الفشل في منظومة الرياضة بلا أب بينما النجاح يتنازعه ألف أب..
كيف عجزنا أن نجد بين 110 ملايين إنسان أكثر من صلاح ومرموش وتريزيجيه وغيرهم من نجوم تحفل بهم قرى مصر وحاراتها، لكن منظومة الكشف تعجز عن الوصول إليهم بسبب المجاملات والفساد في الاختيار داخل الأندية واتحاد الكرة ومراكز الشباب.
لماذا لم يخرج مسئول ليعتذر ثم ليعتزل وتبدأ المصارحة والمكاشفة ورحلة تصحيح المسار لتغيير نهج المنظومة برمتها ونسف الحمام القديم.. لماذا نرضى بالفشل بينما نملك القدرة على النجاح ونستحق ما هو أعظم منه؟
لماذا لا يبادر الوزير بالاستقالة ليحذو إتحاد الكرة حذوه بالاستقالة الطوعية ثم رابطة المحترفين لنبدأ عصرا جديدا؟ هل تتوقعون في ظل تلك المنظومة الفاسدة أن ينجح منتخبنا الوطني الأول في بطولة إفريقيا أو المونديال.. بأمارة إيه؟!
هل هانت عليكم مصر وسمعتها في الكرة وغير الكرة؟ هل هذه بلد حضارة 7 آلاف سنة تقدمت عليها دول عمرها لم يتجاوز مائة عام؟
الخسارة الثقيلة التي تعرّض لها المنتخب المصري أمام نظيره الأردني في كأس العرب -بثلاثة أهداف دون مقابل- تكشف عن أزمة تتجاوز حدود مباراة كرة قدم. فالمتابع المحايد يدرك سريعًا أن المشكلة ليست في أداء لاعبين داخل الملعب، بل في بنية إدارية وتنظيمية مضطربة تحكم كرة القدم المصرية منذ سنوات طويلة، وتنتج نتائج كهذه بصورة شبه متوقعة.
المنتخب الأردني بدا أكثر تنظيمًا وانضباطًا، رغم اعتماده على عدد من لاعبي الصف الثاني بعد ضمان التأهل. في المقابل، ظهر المنتخب المصري فاقدًا للهوية الفنية، بلا خطة واضحة أو انسجام، وكأنه فريق حديث التكوين.
هذه الفجوة بين منتخبين كان التاريخ يميل لصالح أحدهما لعقود، ليست نتيجة ظرفية، بل انعكاس مباشر لمسار طويل من القرارات المرتجلة، وازدواجية المعايير، وضعف التنسيق بين المؤسسات الرياضية.
وتتحمل المسؤولية في ذلك منظومة متكاملة تبدأ من وزارة الرياضة وتمتد إلى الاتحاد المصري لكرة القدم ورابطة الأندية المحترفة، التي تجاهلت مرارًا ضرورة تأجيل بعض المباريات أو توفير ظروف تنافسية عادلة للمنتخبات الوطنية. ويضاف إلى ذلك صراع المصالح بين الأندية والاتحادات، وغياب رؤية استراتيجية تربط بين البطولات المحلية وإعداد المنتخبات لتمثيل مصر خارجيًا.
إن الرياضة الحديثة لا تقوم على الاجتهاد الفردي، ولا تعتمد على الموهبة وحدها، بل تستند إلى منظومات احترافية: إدارة علمية، خطط إعداد طويلة المدى، آليات للمتابعة والتقييم، وثقافة واضحة للثواب والعقاب. وكلما تراجعت هذه العناصر، تراجعت النتائج بالضرورة مهما كانت الإمكانات البشرية.
ويُظهر تحليل أحداث المباراة أن المنتخب الأردني مارس ضغطًا منظمًا، وقدم كرة سريعة تعتمد على التحرك بدون كرة والانتقال السليم بين الخطوط، بينما افتقد المنتخب المصري القدرة على بناء الهجمة أو استعادة الكرة، وظهر تباين واضح في اللياقة والتركيز والالتزام التكتيكي. وقد جاءت الأهداف الثلاثة -سواء من هجمات متقنة أو من ركلة جزاء- لتؤكد الفجوة في الفكر قبل المهارة.
إن الإشارة إلى فساد في إدارة الرياضة ليست تعبيرًا إنشائيًا، بل وصف لحالة متراكمة من غياب الشفافية، وتعطّل آليات المحاسبة، وتداخل المصالح بين أطراف يفترض أن تعمل للصالح العام. وقد أدى ذلك إلى إهدار موارد مالية كبيرة دون تحقيق نتائج تتناسب معها، فضلًا عن تراجع مستوى المنافسة المحلية التي تُعتبر الأساس في تكوين منتخبات قوية.
وعليه، فإن الخروج من هذه الأزمة لا يكون بإقالة جهاز فني أو استبدال مجموعة من اللاعبين، بل من خلال إعادة بناء شاملة للمنظومة الرياضية عبر إصلاح إداري يبدأ من الهيئات العليا ويصل إلى أصغر وحدة تنظيمية.. وتحديث البنية الفنية عبر تبني خطط تطوير واضحة المعايير قابلة للقياس والمتابعة، وضبط العلاقة بين الأندية والمنتخبات على أسس علمية، بعيدًا عن الضغوط والمجاملات.
ثم وهذا هو الأهم إعادة تعريف دور الإعلام الرياضي بحيث يسهم في التقييم لا في التهويل أو التبرير.
إن ما حدث في كأس العرب يجب أن يُقرأ كفرصة -لا كإحباط- لإعادة تقييم شاملة تُعيد لكرة القدم المصرية مكانتها وتاريخها. فالمستقبل الرياضي لا يُبنى بالصدفة ولا يُصنع بالارتجال، بل بالعمل المنظم والقرار الرشيد والإدارة التي تدرك أن الإنجاز يبدأ من حسن التخطيط لا من حسن الحظ.
استقيلوا يرحمكم الله!