فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس

من الأحاديث النبوية الجامعة للقيم الإنسانية والأخلاق المحمدية والحاوية لكل الخير والفضل، قوله صلى الله على حضرته وعلى آله وصحبه وسلم “صل من قطعك، وأعطِ من حرمك، واعف عمن ظلمك”.. منتهى الإنسانية وقمة الخلق عندما يصل الإنسان من خاصمه وقطعه..

فليس من خلق المسلم أن يقصر وصله ومودته على من وصله ووده فقط، وإنما الكمال في الوصل وإعادة المودة لمن قطع حبل المودة والوصل والاتصال، حتى وإن كان له ظالما.. وهناك فرق بين المكافئ والواصل، فعنه عليه الصلاة والسلام أنه قال “ليس الواصل بالمكافئ”، فوصل الواصل مكافأة، ووصل المقاطع تسامٍ وعفو وخلق.. 

والعفو والتجاوز عن الزلات من أحب الأعمال والأمور إلى الله عز وجل ورسوله على حضرته وآله الصلاة والسلام، وخلق العفو هو عطاء رباني ومنحة إلهية يمنحها ويعطيها للعبد المؤمن، يقول تعالى “خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ”، و“الجاهلين” هنا من يجهلون خلق وسماحة وإنسانية دين الإسلام ومنهجه القويم، والذين لم يتحرروا من أسر أنوات النفس وأمراضها..

ويقول تعالى واصفًا أهل الإيمان والتقوى ومدحا فيهم: “وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”.. ويقول تبارك في علاه “فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ”.. هذا ولنا في رسولنا الكريم القدوة الطيبة والأسوة الحسنة، فسيرته الكريمة الطيبة حفلت بالعفو والمسامحة عمن تآمروا على قتله وعلى كل من أساء إليه ولأهل بيته الأطهار..

ولعل أبرزها يوم فتح مكة ووقوف مشركي مكة الذين كذبوا وكادوا وعادوا ومكروا برسول الله وبأصحابه وقتلوا الصحابة وحاربوا الله تعالى ورسوله والمؤمنين، ويوم أن جاء يوم نصر الله والفتح المبين يوم أن امتلأت قلوبهم خوفًا ورعبًا من انتقام رسول الله، ووقفوا بين يديه الشريفة موقف الذلة والمهانة وقلوبهم ترتجف خوفا ورعبا، فنظر إليهم نبي الرحمة ورسوله الإنسانية وقال “ماذا تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وإبن أخ كريم. فقال عليه الصلاة والسلام لهم: إذهبوا فأنتم الطلقاء” وعفا وصفح عنهم عليه الصلاة والسلام.. 

هذا وقد ورد عنه على حضرته وعلى آله الصلاة والسلام أنه قال وهو يخاطب الأمة في صورة الصحابة الكرام “ألا تحبون أن يعفو الله عنكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله.. فقال: فليعف كل منكم عن صاحبه”.