ممرض تحول إلى آلة قتل تحصد أرواح السودانيين، قصة على كوشيب شيطان الجنجويد في دارفور
على كوشيب، مجرم حرب فى إقليم دافور عاد اسمه لتصدر وسائل الإعلام اليوم، بعدما طالب ممثلي الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية بإصدار حكم بالسجن مدى الحياة بحق محمد علي عبد الرحمن المعروف بـ علي كوشيب، والمدان في إرتكاب أعمال وحشية في ولايات دارفور لصالح ميلشيا الدعم السريع.
على كوشيب أحد زعماء القبائل العربية في إقليم دارفور
على كوشيب أو محمد على عبدالرحمن، هو من أحد زعماء القبائل العربية في إقليم دارفور الواقع غرب السودان، وُلد عام 1957 في منطقة وادي صالح، وخدم في القوات المسلحة السودانية، ثم انضم إلى قوات الدفاع الشعبي وشرطة الاحتياطي المركزي.
كان على كوشيب أحد قادة "ميليشيا الجنجويد" (الدعم السريع حالي) أثناء الحرب ضد التمرد في دارفور بين عامي 2003 و2004. وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحقه في 27 أبريل 2007 بتهم تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وعقب سنوات من ملاحقة دولية سلم على كوشيب نفسه طوعا للمحكمة في يونيو 2020، وأدانته في أكتوبر 2025 بـ27 تهمة تتعلق بدوره في الهجمات التي استهدفت قبائل الفور والمساليت ومجتمعات غير عربية أخرى بدارفور.
وُلد مجرم الحرب "علي كوشيب"، عام 1957 في منطقة وادي صالح غرب إقليم دارفور، لكنه نشأ واستقر في مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، وتحديدا في منطقة تُعرف باسم "الخرطوم بالليل".
التحق على كوشيب بالقوات المسلحة السودانية عام 1974
التحق على كوشيب بالقوات المسلحة السودانية عام 1974 في شعبة السلاح الطبي، وعمل ممرضا حتى وصل إلى رتبة مساعد رئيس، وأحيل إلى التقاعد عام 1997.
بعد ذلك انضم على كوشيب إلى قوات الدفاع الشعبي، وهي قوات شبه عسكرية أنشأها الرئيس المعزول عمر البشير بعد أشهر من استيلائه على السلطة عام 1989. كما التحق بعد ذلك بشرطة الاحتياطي المركزي، التي تُعرف شعبيا بـ"أبو طيرة"، وهي قوة استخدمها نظام عمر البشير لمكافحة تمرد حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان.

ووفق المحكمة الجنائية الدولية، فقد قاد على كوشيب آلافا من "ميليشيا الجنجويد" بين عامي 2003 و2004، وكان يعتبر حلقة وصل بين الحكومة السودانية وقادة الجنجويد في منطقة وادي صالح.
تورط على كوشيب في عمليات قتل وتعذيب بحق المدنيين
أتُهم كذلك على كوشيب بـ"المشاركة شخصيا في بعض الهجمات ضد المدنيين"، لا سيما في بلدات كتم وبندسي ومكجر وغيرها في إقليم دارفور، حيث وقعت عمليات قتل واغتصاب وتعذيب ومعاملات قاسية أخرى بحق المدنيين، وفقا للمحكمة الجنائية الدولية.
السلطات السودانية أعتقلت على كوشيب في نوفمبر 2006 على خلفية اتهامات بتنفيذ عمليات اغتصاب وقتل في جنوب وغرب دارفور، إلا أنه أُفرج عنه لاحقا وواصل تحركاته بحرية تحت حماية الشرطة.
في 27 أبريل 2007، أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي توقيف ضد على كوشيب والقيادي في الحكومة السودانية السابقة أحمد هارون.
وقتها رأت الدائرة التمهيدية الأولى أن هناك أسبابا معقولة للاعتقاد بأن "القوات المسلحة وميليشيا الجنجويد عملتا معا ضمن حملة مكافحة التمرد، وأنهما شنتا هجمات عدة ذات طابع منهجي وواسع النطاق على بلدات كتم وبندسي ومكجر ودليج والمناطق المحيطة بها".
وأضافت الدائرة التمهيدية الأولى، أنه في تلك البلدات "يُزعم أن جرائم خطيرة ارتُكبت ضد المدنيين، خصوصا من قبائل الفور والزغاوة والمساليت، تضمنت قتل المدنيين والاعتداء على كرامة النساء والفتيات والاضطهاد والترحيل القسري وغيرها من الانتهاكات".

وتضمنت مذكرة التوقيف بحق على كوشيب 50 تهمة استنادا إلى مسؤوليته الجنائية الفردية، شملت 22 تهمة بجرائم ضد الإنسانية و28 تهمة بجرائم الحرب.
وقتها رفضت الحكومة السودانية تسليم على كوشيب والمطلوبين الآخرين للجنائية الدولية، ونفت ارتكاب أي مخالفات، مؤكدة أن أي مجرمين يتم اعتقالهم سيُحاكمون أمام القضاء السوداني.
أبو طيرة، معلومات عن أحدث القوات المشاركة في قتال السودان
ودعت منظمة العفو الدولية "أمنستي" في أغسطس 2007، إلى وضع حد للإفلات من العقاب في دارفور، وطالبت باعتقال على كوشيب وتسليمه إلى الجنائية الدولية. وفي مايو 2008، وجهت منظمة هيومن رايتس ووتش رسالة إلى أعضاء مجلس الأمن الدولي تطالب فيها بتحقيق العدالة في دارفور.
وفي أكتوبر 2008 أعادت السلطات السودانية اعتقال على كوشيب مجددا للتحقيق في الجرائم المزعوم ارتكابها في دارفور، غير أنها أطلقت سراحه لاحقا.
وفي يوليو عام 2013، أعلنت شرطة ولاية جنوب دارفور إصابة على كوشيب في محاولة اغتيال نفذها مسلحون مجهولون، بينما قُتل حارسه وسائقه في الهجوم.
اختفي على كوشيب عن الأنظار لمدة طويلة
بعدها اختفي على كوشيب عن الأنظار لمدة طويلة، كما أنه نادرا ما ظهر في وسائل الإعلام حتى بعد سقوط نظام البشير في أبريل/نيسان 2019.
في 9 يونيو 2020، أعلنت المحكمة الجنائية الدولية أن على كوشيب سلّم نفسه طوعا في جمهورية أفريقيا الوسطى استنادا إلى مذكرة التوقيف الصادرة بحقه.
وتمت عملية التسليم إلى المحكمة بعد أن وصل إلى أفريقيا الوسطى عبر الطريق البري الحدودي مع ولاية غرب دارفور، ثم نُقل بطائرة مروحية تابعة للأمم المتحدة من الحدود إلى العاصمة بانغي، ومنها إلى مقر المحكمة بمدينة لاهاي الهولندية.
ووصفت المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، تسليم كوشيب نفسه بأنه "تطور مهم في مسار العدالة بشأن دارفور"، خاصة بالنسبة للضحايا الذين انتظروا طويلا.
وأعربت بنسودا حينها عن أملها في أن يُرسل استسلام على كوشيب رسالة واضحة مفادها أن المحكمة، رغم طول المدة والعقبات، "لن يهدأ لها بال حتى يمثل كل المشتبه بهم في ارتكاب الجرائم في دارفور أمام العدالة"، داعية المتهمين الآخرين إلى تسليم أنفسهم.
مثل على كوشيب أمام المحكمة الجنائية الدولية في 15 يونيو 2020، استنادا إلى مذكرة اتهام تضمنت 31 تهمة تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ارتكبت بين أغسطس 2003 وأبريل 2004 في إقليم دارفور.
وفي 9 يوليو 2021، أكدت الدائرة التمهيدية الثانية بالمحكمة جميع تهم جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية الموجهة إلى كوشيب، وأحالت القضية إلى المحاكمة.
وبدأت جلسات المحاكمة في القضية في 5 أبريل 2022، وتم تقديم المرافعات الختامية في ديسمبر 2024.
وخلال سير المحاكمة، فاجأ على كوشيب القضاة بقوله "أنتم تحاكمون الشخص الخطأ، أنا لست علي عبد الرحمن كوشيب، ولا أعرف شخصا بهذا الاسم سلمت نفسي للمحكمة في عام 2020 لتبرئة نفسي من التهم".

في 6 أكتوبر 2025، أدانت المحكمة الجنائية الدولية على كوشيب بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، وقالت إنها متأكدة "بما لا يدع مجال للشك، أن علي كوشيب أمر ودعم وشارك في هجمات إرهابية واسعة النطاق ومنهجية، أدت إلى عمليات قتل جماعي ونزوح قسري".
وأدين على كوشيب بـ27 تهمة لدوره في الهجمات التي استهدفت قبائل الفور والمساليت ومجتمعات غير عربية أخرى بدارفور. وبحسب المحكمة، شملت الجرائم المرتكبة القتل والاغتصاب والاضطهاد والتعذيب والاعتداء على المدنيين.
وأشادت نزهت شميم خان، نائبة المدعي العام للمحكمة، بالحكم ووصفته بأنه "خطوة حاسمة نحو سد فجوة الإفلات من العقاب في دارفور"، مضيفة أن الحكم "يرسل رسالة مدوية لمرتكبي الفظائع في السودان بأن العدالة ستنتصر".
كما رحب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، بالقرار ووصفه بأنه "اعتراف مهم بالمعاناة الهائلة التي تكبدها ضحايا جرائمه البشعة، وأول إجراء للإنصاف طال انتظاره".