فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

البرلمان.. صوت الناس أم صوت المصالح؟! (2)

هل المرشحون على القوائم الحالية يعبرون حقًا عن نبض الشارع وشواغله ومصالحه؟ وهل يمكن لمصالح رجال الأعمال وأصحاب المال أن تتلاقى مع مصالح الفقراء والسواد الأعظم من الناس، أم أنها تتقاطع في خطوطٍ متباعدةٍ لا تلتقي، بحيث لا يمكن الاطمئنان إلى أن تركيبة البرلمان بصورته المتوقعة ستكون فرزًا طبيعيًا لإرادة المواطن؟ 

وهل يستطيع المواطن البسيط أن يجد فيمن ترشحوا للانتخابات من يقول للحكومة: كفى جباية، وكفى تحميلًا للفقراء فاتورة كل إصلاح دون أن تتعب الحكومة نفسها في زيادة الإنتاج ومراقبة الأسواق ومنع المغالاة في الأسعار والأهم أن تكف الحكومة يدها عن رفع الأسعار بين الحين والآخر؟ 
أسئلة تفرض نفسها بقوة ونحن على أعتاب استحقاقٍ برلماني جديد يراهن عليه الوطن في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخه.

 

المواطن وشواغله ينبغي أن يكونا في صدارة اهتمامات البرلمان الجديد وأولوياته، فمراقبة أداء الحكومة ومتابعة أعمالها خطوة بخطوة هي السبيل لتقديم أفضل الخدمات، وترجمة رؤية الرئيس وتوجيهاته وملاحظاته إلى واقعٍ ملموسٍ يرضي الناس ويستجيب لتطلعاتهم. 

إن نهوض مصر واستقرارها مسئولية مشتركة لا ينهض بها طرف واحد، بل تتقاسمها كل الأيدي والعقول والضمائر، لأن الوطن لا يُبنى بالشعارات، بل بالعمل والتكامل بين مؤسساته ومواطنيه.

 

لا تحتمل منطقتنا، بكل ما تموج به من تحديات، تهاونًا أو تقصيرًا. فكيف لأمةٍ مثقلةٍ بالأعباء أن تحقق أهدافها وبين أبنائها هذا العدد الكبير من الأميين؟ وكيف لوطنٍ يريد مكانة بين الأمم أن يبلغ غايته من دون تعليمٍ جيدٍ وبحثٍ علميٍ متطورٍ وصحةٍ قوية؟ 

 

لقد أدرك الرئيس عبد الفتاح السيسي هذه الحقائق منذ اللحظة الأولى، فقاد ثورة هادئة في التعليم لينتقل من ثقافة الحفظ والتلقين إلى آفاق التفكير والإبداع، وأطلق مبادرات رئاسية واسعة لاستنقاذ صحة المصريين وتطوير المستشفيات، إيذانًا بعهدٍ جديدٍ عنوانه: التأمين الصحي الشامل لكل مواطن.

 

ولا سبيل لترسيخ هذه الجهود إلا بأن يضطلع البرلمان القادم بدوره في دعمها وتشريع ما يعين على تعميمها، فصحة الناس وتعليمهم هما حجر الزاوية في نهضة الوطن. ومن الأهمية أن ينخرط البرلمان والحكومة في حوارٍ صريحٍ وواضحٍ مع الناس، حوارٍ بسيطٍ في لغته عميقٍ في مغزاه، يواجههم بالحقائق أولًا بأول حتى لا يُتركوا نهبًا للشائعات والمغالطات. 

فبناء الرأي العام لا يقوم إلا على الصراحة والشفافية، ومصارحة المواطنين بالحقيقة -كما يفعل الرئيس في لقاءاته وخطبه- هي أقصر الطرق إلى الثقة.

 

لقد عوّض حضور الرئيس الفاعل غياب النخب والأحزاب والإعلام عن معركة الوعي، وآن الأوان أن يتقدم البرلمان في هذا الميدان أيضًا، خروجًا إلى الناس وتواصلًا معهم، وترجمةً لرسائل القيادة السياسية إلى واقعٍ ملموسٍ يذيب الحواجز بين المواطن ومسئوليه، واقعٍ يصنعه الحب والتفاني وإنكار الذات والعدل في القرار ووضع الرجل المناسب في مكانه. 

بهذا وحده يمكن أن يتحقق التوافق الوطني لعبور هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ مصر، فالأمل معقود على أن يأتي البرلمان الجديد معبرًا بصدقٍ عن إرادة الشعب، حائزًا ثقته ورضاه، وأن يترجم ذلك إلى رقابةٍ جادةٍ وتشريعٍ فاعلٍ يخفف عن الناس أعباءهم ويقرّب الدولة من مواطنيها.

 

إن المواطن هو المراقب الأول لأداء البرلمان والحكومة معًا، ورضاه هو المعيار الحقيقي للنجاح، لأن البرلمان الذي لا يشعر به الناس كأنه غير موجود. نريده برلمانًا يحترم سيادة القانون، ويعلي مبدأ الفصل بين السلطات، ويكفل التنافس الشريف بين الأحزاب وتكافؤ الفرص بين المواطنين، برلمانًا يؤمن بالعلم والنقد البنّاء، ويقف على مسافةٍ واحدةٍ من الجميع، يجعل الضعيف قويًا حتى يأخذ حقه، والقوي ضعيفًا حتى يُستخلص منه الحق. 

 

نريده برلمانًا يستلهم رؤية الرئيس في الرقمنة وميكنة الإجراءات، فيختصر المسافات ويكبح البيروقراطية ويقطع دابر الفساد، ويحتضن الكفاءات والخبرات، ويؤمن بأن البشر هم الثروة الحقيقية لهذا الوطن وعدته وعتاده في السراء والضراء.

 

العدالة لا تتحقق بإعادة توزيع الموارد فحسب، بل بابتكار صيغٍ جديدةٍ لتوليد الثروة وخلق فرص العمل، فالتعليم المنتج والبحث العلمي الجاد والصحة العفية هي مفاتيح الخروج من دوائر الفقر والعشوائية والجهل. نريد برلمانًا يحافظ على هيبة الدولة ومؤسساتها، ويدعم مشروعاتها القومية الكبرى، ويقف سندًا لها في حماية أمنها المائي وحدودها وقرارها الوطني، ويواجه الفساد والانتهازية بكل حزمٍ وعدل.

 

أما الأحزاب، فهي مدعوة لأن تصحو من غفوتها وتعود مدرسة لتخريج الكوادر السياسية، وإحياء روح المنافسة الوطنية، فالديمقراطية الحقيقية تبدأ من داخل الحزب قبل أن تصل إلى قبة البرلمان.

 

المناصب في هذا الوطن ليست غنائم ولا سبوبة، بل أماناتٌ ثقيلة ومسؤوليات جسيمة، والشعب هو الرقيب الدائم، والنائب أو المسؤول إنما جاء بتكليفه وإرادته. ولنا في الرئيس السيسي قدوةٌ في احترام العمل وتقدير الجهد وتكريم الكادحين والعلماء والمبدعين، فهكذا تُبنى الأمم وتنهض الدول.

نتمنى أن نجد انتخاباتٍ برلمانيةً تعبّر عن نبض المجتمع وحيويته وآماله وطموحاته، وتفرز نوابًا يترجمون تطلعات الناس في الرقابة والتشريع، فالبرلمان الحقيقي هو عين الشعب لا عين الحكومة، ولسانه الذي لا يخاف في الحق لومة لائم، صوتُه حين يريد أن يُسمع، وسنده حين يحتاج من ينطق باسمه.