فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

إعلاميون بالصدفة!

لم يعد مشهدًا مستغربًا أن يتصدّر مشهدَ الإعلام في مصر لاعبُ كرة انتهى عمره في الملاعب، أو يوتيوبر احترف الصراخ أمام الكاميرا، أو وجه مجهول لا يملك من أدوات المهنة إلا جرأة الجهل. هذا التشوّه لم يهبط علينا من السماء، بل كان نتيجة هبوط دخلاء على المهنة. بالبراشوت رغم تضخّم أقسام الصحافة والإعلام في الجامعات بلا مبرر ولا ضابط، حتى تحوّل التعليم إلى مشروع “خَتم شهادات” لا مشروع إعداد مهني مسؤول.


من هنا، كان إغلاق ثلاثة من هذه الأقسام خبرًا متوقعًا.. أو لعله بداية تصحيح وإنقاذ قبل فوات الأوان. أما انخفاض الإقبال على الكليات نفسها، فليس أزمة، بل مؤشر وعي؛ فقد بدأ الناس يدركون أن ساحة الإعلام مرتع لكل من هب ودب وأن اللقب الإعلامي لم يعد بطاقة ذهبية، وأن الطريق إلى القنوات والمواقع لم يعد يمرُّ من قاعات الدرس، بل من عالم فوضوي مفتوح على مصراعيه لغير المتخصصين.


قلتها وسأظل أقولها: الإعلام رسالة عمادها العلم والتخصص والثقافة والمعرفة، لا الحفظ والاستظهار.. من أراد الصحافة والإعلام من غير المتخصصين فليأتِ إليهما بعد أن يحمل معه علمًا يستند إليه؛ اقتصادًا، سياسة، قانونًا، فنًا، طبًا.. أي تخصص يقي المحتوى من الهشاشة والفراغ على أن يعاد تأهيله بدراسة أكاديمية ولتكن دبلوم دراسات عليا مدتها عامان يدرس خلالها مواد الإعلام والصحافة وأدبياتهما وأخلاقهما..

إن سيولة المشهد الإعلامي فيحيلنا إلى السؤال: من المستفيد من هذه الفوضى؟ من الذي سمح بأن تتحول المهنة إلى مسرح هواة؟ من الذي فتح بوابات الإعلام لمن لا يعرف أبجديته؟ لقد صار الإعلام منبرًا بلا حارس، وميكروفونًا بلا معيار. الطبيب لا يمس جسد الإنسان بلا ترخيص، والمحامي لا يترافع بلا قيد.. فلماذا يُسمح لغير المؤهل أن يمسَّ وعي الناس وأفكارهم وأحكامهم على العالم

المطلوب الآن جراحة حقيقية، لا مساحيق تجميل. البداية تكون بالإبقاء على كلية الإعلام بجامعة القاهرة بوصفها مركز إعداد الكفاءات، وخفض أو تحويل أقسام الصحافة والإعلام بكليات الآداب مثلا لدراسات عليا تخصصية فقط لمن يحملون مؤهلًا جامعيًا آخر. والأهم: إصدار تشريع واضح يجرّم ممارسة العمل الإعلامي لغير الحاصلين على تأهيل مهني معترف به، حتى لا يصبح إعلامنا رهينة مشاهير الصدفة ووجوه الصراخ.

الإعلام رسالة كبرى، ومن يقلّل من شأنها فليتأمل ما أحدثه الإعلاميون الوهميون من تشويه وعبث بالرأي العام. حان الوقت لاستعادة هيبة المهنة، حتى لا يبقى الميكروفون لعبة في يد من لا يدركون وزنه.. ولا الثمن الذي يدفعه المجتمع حين يقع في قبضة جهل المذيع على الهواء.