فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

العرب فشلوا حتى في التصويت لصلاح!

حتى في الكرة، لم يتفق العرب. محمد صلاح، رمز عربي عالمي، لم يحصد سوى أصوات ثلاث دول عربية في سباق الكرة الذهبية، وكأن لسان حال الموقف يقول: اتفق العرب على ألا يتفقوا.

المشهد الرياضي هنا ليس تفصيلًا ترفيهيًا، بل انعكاس لوضع سياسي أكبر؛ فإذا كان ابن جلدتنا لا يحظى بإجماع رمزي، فكيف يُنتظر من الأنظمة أن تجتمع على موقف موحّد تجاه التحديات المصيرية؟

من ساحات الملاعب إلى ساحات السياسة، يكشف تصويت صلاح عن هشاشة الجبهة العربية التي تفرّقت بين معاهدات وتحالفات متناقضة، بينما الأوطان تُستباح جوًا وبرًا.. إنها رسالة واضحة: من دون وحدة حقيقية، سيبقى العربي متألقًا فردًا، بينما يغيب الصوت الجماعي، وتظل الأمة في مقاعد المتفرجين.

في لحظة يفترض أن تتحد فيها المشاعر والهوية -حين يُمثل ابن الجسد العربي، اللاعب الفذ محمد صلاح، قمة التفرد الرياضي- جاء تصويت الصحفيين في جائزة الكرة الذهبية 2025 ليكشف ما لا تبوح به الخطابات الرسمية: أن الصفّ العربي غير متفق..

ففي التصويت الرسمي الذي نشرته مجلة فرانس فوتبول، تبين أن صلاح نال صوت المركز الأول من أربعة صحفيين فقط (مصر، البحرين، الأردن، وجنوب أفريقيا)، رقم يكشف التصدّع الرمزي في لحظة كان المنتظر أن تمتلئ فيها الأصوات دعمًا لابن المنطقة.

هذا الواقع الرياضي ليس منعزلًا عن الحقيقة السياسية؛ فالكرة في المجتمعات الحديثة مرآة للمزاج العام، ولها قدرة على اختزال الولاءات والانقسامات. فإذا لم تتحد الأصوات في شأن أبنائنا، فكيف ننتظر من الأنظمة أو من مؤسساتها أن تتحد عندما تُخاض معارك سياسية حقيقية؟ 

كيف نلوم الجماهير إذا لم تعد تُظهر التماسك في أبسط أشكال التعبير -تصويتًا أو تشجيعًا- وقد تلاشت الوحدة في الميادين الأكثر أهمية على المستوى القومي؟

الاعتراض هنا ليس على كرة القدم بحد ذاتها؛ بل على ما تكشفه تفاصيل التصويت من تراكم انقسام ثقافي وسياسي. ففي زمنٍ تبدو فيه المصالح وتحالفات القوة هي التي تقرّر المواقف (اقتصاديًا وعسكريًا ودبلوماسيًا)، يصبح التأييد الثقافي أو الشعبي لرمز عربي غير مضمون.

وهذا الانقسام يتجاوز الملاعب إلى تبنّي سياسات خارجية أحيانًا تتماشى مع قوى لا تضع قضايا الأمة في مقدمة أولوياتها، فتنسحب الوحدة وتبقى العزلة.

ما يثير القلق أيضًا أن هذا السلوك يكرّس منطق المصلحة فوق منطق الانتماء؛ فحين تبرم دول اتفاقيات أو تسير في أحلاف لا تتماهى دائمًا مع الموقف الشعبي أو مع مصالح الأمة الجامعة، فإن ذلك ينعكس بسرعة على الحضور الثقافي والرمزي لتلك الدول في الوعي العام. 

وبالنتيجة، يصبح دعم شخص عربي -وإن كان نجمًا عالميًا مثل صلاح- أمرًا شحيحًا أو مشروطًا بموازين جديدة لا علاقة لها بالانتماء وحده.

لكن دعونا نكون واضحين: الحديث عن هشاشة الموقف العربي لا يعني استحالة الوحدة. بل على العكس، يكشف هذا المشهد عن حاجة ملحّة لإعادة بناء ثقة مشتركة؛ ثقة ليست بالخطابات وحدها، بل بمواقف عملية متسقة تُعيد اعتبار الشعور الجمعي. 

ليس مطلوبًا من الرياضيين أن يكونوا سياسيين، لكن المتوقع من النخب والمنظمات أن تخلق مناخًا يُشعر الجماهير بأن الانتماء وحده يملك وزنًا حقيقيًا في مواقف الدولة.

خلاصة الأمر أن تصويت أربعة صحفيين لصلاح ليس مجرد رقم إحصائي؛ إنه مرآة صغيرة لانقسام أكبر. ويجب أن نقرأه كنداء: الوحدة ليست شعارات تُدار في مناسبات، بل ممارسات يومية في السياسة والثقافة والاقتصاد.

إذا أردنا أن نرى صوتًا عربيًا واحدًا واضحًا -على المستويات الرياضية والثقافية والدبلوماسية- فعلينا أولًا أن نعالج التصدعات التي تمنع هذا الصوت من التبلور. وإلا فسنستمر في مشاهدة رموزنا تتوهج على المستوى الفردي، بينما يبقى الكون العربي ممزقًا عن نفسه، غير قادر على الوقوف صفًا واحدًا حين تحتاجه اللحظة الحقيقية.

ما يحزنني أخيرًا أن قطر لم تصوت لصلاح إطلاقًا، رغم أنها تدعي العروبة وهي أبعد ما تكون عنها!