فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

حديث قلب

اليوم العالمي للترجمة

لعب المسلمون دورا محوريا في تاريخ الترجمة لنقل العلوم من ثقافات أخرى إلى العربية، وبالتالي ساهموا في إثراء الحضارة الإسلامية وتطورها، ومن ثم انتقال العلوم إلى أوروبا.. وعلى وجه الخصوص لعبت الترجمة الدينية دورا مهما في نشر الإسلام عالميا وتوضيح تعاليمه السمحة، وتعزيز الحوار الحضاري بين مختلف الثقافات والأديان..

ولقد استفدت كثيرا من مادة علمية خصبة عن تاريخ الترجمة في حوزة صديقي العزيز الطبيب السعودي الكبير الدكتور حسام غنيم؛ وسماحة الشيخ محمد كمال، كتبها العالم المصري الدكتور إبراهيم العسال عضو لجنة التراث الثقافي بالاتحاد الأندلسي في أسبانيا، وأستاذ علم الآثار والإرشاد السياحي، والمحاضر بعدة جامعات دولية.. 

وهذه قطوف من ثمار بحثه الفريد: تحتفي الدوائر العلمية في العالم كله بآخر يوم من شهر سبتمبر على أنه اليوم العالمي للترجمة اقترانا بوفاة القديس جيروم في بدايات العقد الثالث من القرن الخامس الميلادي، وهو في الحقيقة أحد أهم أعلام ترجمة الكتاب المقدس من اليونانية والعبرية إلى اللاتينية..

إلا أن القرن السابع الميلادي كان على موعد مع فجر جديد لحضارة نقلت حركة الترجمة نقلة نوعية لا ينكرها منصف.. وفي هذا أقول وبالله التوفيق:

أول التراجم في الإسلام ليست أموية كما تذهب بعض الآراء إنما نبوية محمدية، إذ إن زيد بن ثابت كان أول من ترجم نصوصا من اللغة السريانية إلى العربية، وقد تعلمها في أيام قليلات بأمر من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ليقرأ له كتب اليهود كما أقرت بذلك كتب الحديث.

كما أن ورقة بن نوفل كان مجيدًا للعبرانية، كما كانت هناك رسائل متبادلة مع ملوك الممالك المجاورة بلغات ملوكها ومنها خطابات كسرى وقيصر، ورغم ذلك انحاز المؤرخون إلى بني أُمية في نسب علوم الترجمة إليهم وصمتوا عن الحقبة المحمدية صمتا مذهلا فيما عدا ابن خلدون احقاقا للحق.

وهذا لا ينفي أبدًا عن الأمويين ما قدموه في هذا الشأن، فمن ينسى أن الميلاد المنظم والحقيقي لترجمة الكتب والمراجع العلمية كان على يد حكيم آل مروان؛ خالد بن يزيد بن معاوية لما ترجم كتب الكيمياء القادمة من مدرسة الإسكندرية. وكان لعمر بن عبد العزيز باع كبير في تصدير علم الترجمة من الإسكندرية إلى مدراس أنطاكية.

عباسيا فحدّث ولا حرج، عن اهتمام أبي جعفر المنصور غير المسبوق.. وحتى إنشاء الرشيد هارون لبيت أو دار الحكمة في بغداد كأول مؤسسة معنية بالتراجم في الحضارة الإسلامية، ولا تنس وزراءه من البرامكة الذين كانوا يزنون الكتاب المترجم إلى العربية ذهبا مكافأة لمن ترجمه..

وللمأمون في الترجمات شئون.. فهو صاحب أكبر حركة ترجمة للعلوم في التاريخ الإسلامي حتى لو صمت بعض الناس عن ذلك لاختلافهم فكريا وعقائديا مع صاحب أزمة خلق القرآن.. 

وأسس المأمون للحرية الفكرية للمترجمين على اختلاف أديانهم؛ الملكانية واليعقوبية والنسطورية والمارونية وحتى الزرادشتية، وكان هذا يُعدّ تحررا سابقا لعصره حتى الدويلات المستقلة في عصر نفوذ الأتراك، والتي شهدت تقدما ملحوظا يشهد عليه ابن طولون وكافور الإخشيد، وفاطميا حيث صارت قاهرة العزيز تضاهي عزّ قرطبة ومجد بغداد وإنْ كانت الميول الشيعية واضحة في استقطاب ما يتم ترجمته وما يستبعد.

ومملوكيّا وفي دار الإنشاء حقق المماليك نهضة حقيقة في التراجم وخاصة من لغة عدوهم الأول المغول ثم اللغتين الفارسية والتركية. ولسلاطينهم البحريين والشركسيين صولات وجولات كبيرة في الترجمة وميزهم التنوع الكبير في تراجم العلوم والآداب.

اندلسيا في الحقيقة نحتاج فوق المقال مقالًا حتى نفي بما يجب أن يقال في حق مجد قرطبة؛ كعبة المترجمين من ممالك أوروبا وبلاد الغال.. أما طليطلة فلتخبرنا أوروبا عن فتاها الذهبي جيرارد الكيرموني لما نقل إلى اللاتينية 87 مرجعا من أمهات علوم مسلمي الأندلس حتى انقلب بهم الحال..