إعلام الصراخ أم إعلام الإصلاح؟!
هل أدى إعلامنا رسالته في التنوير والوعي؟ وهل الوجوه الحالية قادرة على استلهام رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي في تطوير الخطاب الإعلامي ليواكب تحديات العصر؟ وهل نملك الإرادة لإعادة بريق الإعلام واستعادة تأثيره في تشكيل الرأي العام أمام طوفان السوشيال ميديا؟
ثم هل المذيع الردّاح أو المذيع المنافق أو المتلون أو الشتام ظاهرة تتفرد بها مصر، أم هي نتيجة فراغ في المعايير المهنية؟ وكيف يمكن أن نستلهم من تجارب الغرب، حيث يخدم الإعلام وطنه بخطاب يراقب ويحاسب وينقد بموضوعية، ويتناول ما ينفع الناس لا ما يروق لهم فحسب؟
أسئلة مشروعة تفرض نفسها كلما تأملنا واقع الإعلام المصري وما آل إليه من تراجع في المكانة والفاعلية.
لقد كان الإعلام في أزمنة مضت مدرسة للتنوير، منبرًا للثقافة، ومرآةً للوعي الجمعي. كان المذيع رمزًا للرصانة والمعرفة، لا مجرد صوت مرتفع أو مؤثر لحظي. أما اليوم فقد تحوّل بعضهم إلى ما يشبه الممثلين في عروض مسرحية، يرفعون نبرة الصوت ويبالغون في الانفعال وكأن الهدف هو التسلية لا التنوير. هذه الممارسات قد تجذب الانتباه للحظة، لكنها تُفقد الإعلام أهم ما يميزه: احترام المشاهد وثقته.
في المقابل، لا تزال هناك أصوات تؤمن بأن قوة الكلمة لا تحتاج إلى صخب، وأن الحجة إذا صيغت بوضوح وهدوء تصل أبعد من أي صراخ. هؤلاء الذين يضبطون إيقاع الحوار، ويمنحون ضيوفهم حقهم، ويقدمون للمشاهد معلومة دقيقة بلغة رصينة، هم وحدهم من يبقى أثرهم في الذاكرة، لأنهم جسّدوا الإعلام بوصفه رسالة ومسؤولية، لا ساحة للضجيج.
اليوم، ونحن نعيش في عصر تتدفق فيه المعلومات بلا ضابط، وتتصارع فيه وسائل التواصل الاجتماعي على انتزاع العقول والانتباه، تصبح الحاجة إلى إعلام مسؤول أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. فالمشاهد لم يعد أسيرًا لشاشة واحدة، بل بات يملك خيارات لا حصر لها، والرهان الحقيقي هو على من يحترم عقله ويوفر له المعرفة الموثوقة.
إن المهنية ليست رفاهية، بل شرط وجود. والمذيع الناجح ليس من يتفنن في الردح أو افتعال الخصومة، بل من يملك نَفَس الصبر، ورحابة الإصغاء، وسعة الثقافة. وإذا أردنا لإعلامنا أن يستعيد مكانته، فعلينا أن نحتفي بالنماذج التي جسدت هذه القيم، وأن نفتح الأبواب أمام إعلام يعلو بالحقيقة لا بالصوت، بالوعي لا بالضوضاء.