فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

جولات ميدانية بلا حس سياسي؟!

في الغرب.. عندما يخرج المسئول في جولة ميدانية، يخرج وفي ذهنه هدف واضح: أن يرى الواقع بعينيه، أن يقترب من الناس، أن يسمع قبل أن يتكلم، وأن يُصلح لا أن يستعرض. 

هناك، تُعد الزيارة الميدانية جزءًا من واجب عام، وليست عرضًا إعلاميًا أو مشهدًا استعراضيًا أمام الكاميرات. المسئول يعرف أنه خادم لوظيفة عامة، وأنه تحت رقابة الصحافة، والرأي العام، ومؤسسات المساءلة.


أما عندنا.. فكثيرًا ما تتحول الجولات الميدانية إلى ساحة استعراض للسلطة، واستقواء على موظفين أضعف، أو إلى فرصة لتلميع الصورة ولو على حساب كرامات البشر. 

نرى المحافظ أو الوزير يهين مدير مدرسة أو موظفًا بسيطًا أمام عدسات الكاميرات، (كما حدث من تعامل خشن من وزراء ومحافظين مع مديري مدارس مثلا) في مشهد يبدو كما لو أنه يُراد به ترهيب لا تقويم، وهدم لا بناء.


ونعود فنقول: للجولات الميدانية -حين تُفهم وتُمارَس كما ينبغي- ضوابط وأهداف لا تنفصل عن جوهرالوظيفة العامة، التي تقوم في أصلها على قيم الخدمة، والمسئولية، والاحترام المتبادل. 

وليس من العيب أن يخضع بعض المسئولين لدينا لدورات تدريبية تصقل مهاراتهم في التواصل العام، وتعلمهم كيف يتحدثون أمام الإعلام، وكيف يضبطون انفعالاتهم في المواقف الحرجة، وكيف يمثلون دولتهم ومؤسساتهم بصورة تليق بالمنصب.


فليس كل مَن أجاد تخصصه أجاد تمثيل الدولة أمام الناس.. وليس كل من ارتقى منصبًا صار تلقائيًا قادرًا على مخاطبة الجماهير بحكمة واتزان.. لقد قال أجدادنا من قبل: لسانك حصانك، إن صنته صانك، وإن خنته خانك، وقالوا: إذا ابتليتم فاستتروا..


لكن يبدو أن بعض مسؤولي هذا العصر، لا يسمعون إلا صوت أنفسهم، ولا يرون في الكاميرا إلا مرآة لنرجسيتهم، لا عدسةً تكشف حقيقتهم أمام الناس. وكم نحتاج اليوم إلى إعادة النظر -لا فقط في تصرفات بعض المسؤولين- بل في آلية اختيارهم، وتقييمهم، ومحاسبتهم، لأن سوء الاختيار لم يعد مجرد خطأ إداري، بل أصبح عبئًا على الدولة، وصورة سلبية تسيء إلى الجميع.


صدقوني بوصلة الناس لا تخطئ بل قادرة على الفرز والتقييم وحكمهم على أداء أي مسئول مرآة صادقة لا يجوز الاستهانة بها.


أما أهم مقتضيات الوظيفة العامة في رأيي فليس في الالمام بتفاصيلها الفنية بقدر التمتع بحس سياسي قادرة على إدارة الوظيفة بفكر القائد لا المدير وبينهما فارق لو تعلمون عظيم.

الزيارات الميدانية لأي مسئول لموقع العمل شيء مهم، لكن المهم ضبط السلوك وحسن التعامل مع الكاميرا التي لا تخطئ في نقل ما يحدث من خروج على حدود اللياقة والسياسة من جانب بعض المسؤولين، وهذا خطأ جسيم يعمق الفجوة مع الناس ويجعل بعض مسئولي الحكومة عبئا على الدولة وليس إضافة لها.. فأحسنوا إلي أنفسكم!