رئيس التحرير
عصام كامل

العدو المشترك والتوافق المفقود.. تشكيل جيش عربي موحد خطوة إستراتيجية تأخرت كثيرا تُجهضها السياسة ويجمدها عدم الاتحاد.. سمير فرج: الإمكانيات متوفرة لتحقيق هذا الهدف

القمة العربية
القمة العربية
18 حجم الخط

فى ظل تصاعد التهديدات الإقليمية، وتفاقم الأزمات السياسية والعسكرية فى العالم العربي، تتجدد الدعوات لإحياء فكرة تشكيل جيش عربى موحد، باعتبارها ضرورة استراتيجية أكثر من كونها مجرد خيار مطروح. رغم أن هذه الفكرة ليست جديدة، فقد طُرحت منذ ما قبل نكبة 1948، ثم عادت للواجهة فى مراحل مختلفة من التاريخ العربى المعاصر، إلا أن اللحظة الراهنة ـ التى تتسم بتعقيد المشهد الإقليمي، وتزايد التدخلات الأجنبية، وتراجع التنسيق العربى  تجعل من طرحها اليوم حتميًا لمواجهة التحديات المصيرية التى تهدد الأمن القومى العربى برمّته. وبينما يرى خبراء القانون الدولى والعسكريون أن المشروع قابل للتنفيذ قانونيًا واستراتيجيًا، فإن العقبات السياسية، والانقسامات الأيديولوجية، والضغوط الدولية، تقف فى وجه تحقيق هذا الحلم القديم المتجدد.

تفتيت وحدة العرب

إلى ذلك قال اللواء محمد الغباري، مدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق، والخبير العسكرى والاستراتيجي، إن إنشاء أى قوة عسكرية يتطلب أولًا تحديد العدو الذى أنشئت هذه القوة لمواجهته، ومعرفة قدراته، وحجمه، ومعداته، لذلك، فإن تشكيل قوة عربية موحدة أمر مطلوب وضروري، لكنه يواجه عدة تحديات، موضحا أن الاستعمار نجح فى زرع عداوات مختلفة داخل كل دولة عربية وضد دول أخرى مثل إيران، بدلًا من توجيه أنظار الجميع إلى عدو مشترك وهو إسرائيل.

وأضاف أن هناك معوقات أخرى تعترض هذه الفكرة، منها معوقات سياسية يمكن تجاوزها، لكن العقبة الحقيقية تكمن فى غياب التوافق العسكري، ففى عام 1978، جرت مفاوضات لتوحيد الرموز والمصطلحات العسكرية بين الدول العربية، لكنها انتهت باتفاق الجميع على ألا يتفقوا، مما يعكس حجم الخلافات العميقة، معقبا: “حتى بعد تحرير الكويت، عندما تم الحديث عن الجيش العربى واعتباره نواة لقوة عربية موحدة، واجهت الفكرة اعتراضًا أمريكيًا، لذلك، فإن أى جيش عربى يجب أن يُثبت منذ البداية أنه لا يستهدف أحدًا بعينه، خاصة أن الصراع العربى الإسرائيلى لا يمكن حله عسكريًا، فإسرائيل نالت اعتراف القوى الكبرى منذ عام 1948، مثل روسيا، وألمانيا، وفرنسا، وإنجلترا، التى أضافت بندًا فى قراراتها يضمن الحفاظ على أمن وسلامة هذه الدولة”.

واختتم الغبارى حديثه بالإشارة إلى أن اتفاقية الدفاع العربى المشترك تمت مواجهتها برفض واضح من الولايات المتحدة، وإنجلترا، وفرنسا، الذين أعلنوا بشكل مشترك التزامهم بضمان أمن إسرائيل، حتى إن الرئيس السادات، عندما أراد القضاء على “الثغرة” خلال حرب أكتوبر، وجد نفسه فى مواجهة مباشرة مع الأمريكيين.

دعوة الرئيس

من ناحيته قال اللواء سمير فرج، الخبير العسكرى والاستراتيجي، إن دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى قبل عشر سنوات لإنشاء جيش عربى موحد جاءت فى توقيت مهم، خاصة أن الإمكانيات متوفرة لتحقيق ذلك، ويستند فى حديثه إلى وجود اتفاقية الدفاع المشترك التابعة لجامعة الدول العربية، والتى يترأس فيها رئيس أركان الجيش المصرى الجانب العسكري، بصفته مساعد الأمين العام للشئون العسكرية بالجامعة، موضحا أن قيادة القوة العربية المشتركة، حال الموافقة على تشكيلها، ستكون لرئيس الأركان المصرى أو يتم اختيار ضابط مصرى برتبة فريق لقيادتها، على أن يكون له نائب من السعودية، مع مجلس قيادة مشكل من ممثلى الدول العربية المشاركة.

وأضاف أن هذه القوة ستضم جميع الأسلحة، وستُبنى قيادتها وتنظيمها وفقًا لحجم وإمكانات كل دولة، وفى حال وقوع أى عدوان على دولة عربية، تتحرك هذه القوة للدفاع عنها.

 ولفت إلى أن مصر تظل صاحبة أكبر جيش عربى من حيث القدرات والإمكانيات والخبرة العسكرية، لكن، بحسب فرج، تبقى العقبة الكبرى فى غياب التوافق العربي، إلى جانب العراقيل المتوقعة من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، التى تسعى للحفاظ على مصالحها فى المنطقة. وأشار إلى أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، خلال حملته الانتخابية، صرّح علنًا بأنه “يحمى الدول العربية مقابل المال”، كما أظهر دعمًا غير محدود لإسرائيل رغم الانتهاكات التى ترتكبها.

وأكد فرج أن اتفاقية الدفاع المشترك لم تُفعل أبدًا، رغم الحاجة الملحة لها، خاصة بعد العدوان الإسرائيلى على غزة، والذى كشف بوضوح ضرورة وجود قوة عربية قادرة على الردع والدفاع، وختم قائلًا:”أمل مصر والعرب فى الوحدة، والتخلص من الاعتماد على الولايات المتحدة أو أى قوة خارجية”.

أمريكا العدو الأول

من جانبه، أكد اللواء عادل العمدة، مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا والخبير الاستراتيجي، أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت وما زالت تقف حجر عثرة أمام فكرة تشكيل جيش عربى موحد، منوها إلى أن فشل مبادرة 2015 لتشكيل هذه القوة كان نتيجة مباشرة للضغوط الأمريكية، إذ تخشى واشنطن من أن تُشكل هذه القوة أداة ضغط عربية تؤثر على مصالحها فى المنطقة، وتسعى بكل نفوذها الدولى لمنع قيامها.

وأضاف العمدة أن الإعلام الغربى يروج باستمرار لمزاعم وأكاذيب ضد مصر، نتيجة دورها الإقليمى وقوتها العسكرية، وذلك فى محاولة لتقويض أى توجه نحو توحيد الصف العربى عسكريًا، مشيرا إلى أنه فى 6 مارس 2015، وخلال قمة عربية، تم إعداد بروتوكول مكوّن من 11 مادة، حدّد طبيعة هذه القوة، وتسليحها، وتدريبها، وميزانيتها، وقد تم نشر هذا البروتوكول فى الصحف العربية، وبدأت بالفعل خطوات عملية لتنفيذه، لكن المشروع أُحبط لاحقًا بفعل التدخلات الأمريكية.

بعيدة المنال

وقال الدكتور أحمد فؤاد أنور، أستاذ العبريات بجامعة الإسكندرية والمتخصص فى ملف الصراع العربى الإسرائيلي، إن فكرة إنشاء جيش عربى موحد وقوة ردع عربية للتصدى للاعتداءات على الدول العربية، وآخرها العدوان الإسرائيلى على قطر لاستهداف المقاومة الفلسطينية، لا تزال بعيدة المنال، رغم أن هذه الفكرة ليست جديدة، لافتا إلى أن هذه المبادرة طُرحت بالفعل عام 2015، وكان هناك تصور عملى لتحقيقها، لكن المخاوف الإسرائيلية، والدعم الأمريكى غير المحدود لتل أبيب، أديا إلى إيقاف المشروع، وأضاف أن هذا الحلم الذى بدأ قبل نحو عشر سنوات، ظل حاضرًا لكنه لم يُنفذ، خاصة فى ظل التحولات السياسية الأمريكية، وانخراط واشنطن فى مفاوضات وصفقات مع إيران على حساب المصالح العربية.

كما أشار إلى أن التحولات فى المشهد السورى واحتمال تفكك الدولة السورية، فضلًا عن وجود شبهات فى علاقات بعض المؤسسات الإرهابية، كلها عوامل ساهمت فى تعقيد الأمور، ففى عام 2015، كانت هناك إرادة حقيقية من مصر، والسعودية، والأردن، والإمارات، لإنشاء قوة عربية موحدة، لكن تم إحباط هذه الجهود بفعل الضغوط الأمريكية والإسرائيلية.

وأكد أن العدوان الإسرائيلى الأخير على قطر كشف مدى الحاجة الماسة لقوة ردع عربية، فى ظل عدم قيام أمريكا بحماية قطر والدفاع عنها، وقال إن الفكرة كانت قاب قوسين أو أدنى من التنفيذ فى 2015، حيث عُقدت اجتماعات بين رؤساء أركان الجيوش العربية، وتم بالفعل وضع نواة للجيش العربي، وكان من المتوقع أن ترى النور خلال أسابيع، كاشفا عن أن من بين الأهداف الإسرائيلية الكبرى استكمال مخطط التهجير، وتوجيه ضربات فى اليمن وقطر، كما أن العودة لطرح فكرة الجيش العربى الآن، تُشبه ظروف عام 2015، خاصة فى ظل الأزمات المتصاعدة فى السودان وليبيا وغزة، وكلها ملفات تتطلب موقفًا موحدًا، واستراتيجية دفاعية عربية مشتركة.

وأشار إلى أن التكنولوجيا العسكرية القادمة من روسيا، والصين، قادرة على اختراق منظومة الدفاع الجوى الإسرائيلي، مما قد يدفع الولايات المتحدة وإسرائيل لمحاولة التصدى للفكرة من خلال إثارة القلاقل والاضطرابات الداخلية فى الدول العربية، موضحا أن الولايات المتحدة لا تتحرك بمفردها، بل تعتمد على تحالفات، كما حدث فى العراق وأفغانستان، وفى التدخل ضد القذافي، ومواجهة القراصنة فى القرن الإفريقي، وحتى فى التحالف ضد الحوثيين عبر حلف الناتو، وتستفيد إسرائيل من هذه التحالفات فى تفعيل قرار الكونجرس الدائم بضمان تفوقها العسكري، مما يعوق أى توازن استراتيجى عربي.

وشدد الدكتور أحمد فؤاد أنور على أن التحالف الأمريكى الإسرائيلى سيواصل وضع العراقيل أمام أى مشروع عربى موحد، عبر إثارة الفتن، ونشر الشائعات داخل العواصم العربية، وفتح ملفات حساسة مثل قضية سد النهضة والأوضاع الاقتصادية للضغط على مصر.

ضرورة وجودية

ويرى المهندس أحمد بهاء الدين شعبان، رئيس الحزب الاشتراكى المصري، أن الحديث عن تشكيل “جيش عربى مشترك” يثير الكثير من المشاعر والتساؤلات، ويعيد إلى الأذهان حقبة زمنية كانت فيها مصر، بوصفها “الشقيقة الكبرى”، فى طليعة الدول العربية التى جمعت إرادتها للخروج من التبعية، والتحرر من الاستعمار، وبناء مجتمع العدل والمساواة، والاعتماد على الذات العربية فى حماية الشعوب والثروات.

ويؤكد شعبان أن فكرة تشكيل قوة عسكرية عربية موحدة ليست وليدة ثورة 23 يوليو، بل طُرحت قبل ذلك فى إطار جامعة الدول العربية، لا سيما عقب نكبة 1948، حين فشلت الجيوش العربية (التى شكلت نواة لقوة عربية مشتركة) فى منع قيام إسرائيل واحتلال فلسطين، وفى عام 1950، وُقعت “معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي” التى نصّت على إنشاء قوة عسكرية مشتركة بين الدول الأعضاء فى الجامعة، لكن هذه المعاهدة ظلت حبيسة الأدراج كما ظلت جميع المبادرات والمقترحات التي تلتها خلال ٧٥ عاما..

ويشير شعبان إلى العدوان الإسرائيلى الأخير على قطر، رغم علاقاتها الطيبة مع تل أبيب ووجود قاعدة أمريكية ضخمة (العديد) على أراضيها، كمثال صارخ على أن “الاحتماء بأمريكا” لا يضمن الأمن، فحتى مع وجود الحوار حول وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، لم تتردد إسرائيل فى استهداف قطر وقيادتها، بل وهددت بتكرار العدوان واستهداف قادة عرب آخرين.

ويؤكد أن “حلم القيادة العسكرية العربية الموحدة” لم يعد مجرد رفاهية، بل بات ضرورة وجودية، لأن الأمة العربية تواجه خطرًا حقيقيًا يهدد كيانها، ووجودها المادي، ومستقبل أجيالها القادمة، وإن لم تُوحّد الدول العربية إرادتها وتتجاوز المصالح الذاتية الضيقة، فإنها تخاطر بأن تُقصى تمامًا عن مسار التاريخ، كما حذر الدكتور فوزى منصور فى دراسته الشهيرة فى الثمانينات.

ويختم المهندس أحمد بهاء الدين شعبان بالتأكيد على أن الدول العربية، أمام هذه اللحظة التاريخية الفاصلة، مطالبة بأن تبعث برسالة واضحة للعالم: أننا استوعبنا الدرس، وأننا لن نثق فى العدو مهما ابتسم، وأنه “لا يحك جلدك مثل ظفرك”، ويتساءل: “هل آن أوان العمل المخلص لحماية ما تبقى من كرامتنا وأمل شعوبنا؟” مؤكدًا فى الوقت ذاته أنه “لا قيامة للأمة، ولا نهضة للمنطقة، إلا بالارتكاز على عامود الخيمة: مصر، شعبًا وجيشًا”.

رؤية بعيدة المدى

ويرى الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولى العام وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، أن دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى فى عام 2015 لتشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة كانت بمثابة رؤية استراتيجية بعيدة المدى، لو تم تنفيذها فى حينها، لكان من الممكن أن تُحدث تحولًا كبيرًا فى مسار المنطقة، وتمنع العديد من التدخلات الخارجية والاعتداءات التى شهدتها الدول العربية خلال السنوات العشر الأخيرة.

وأكد مهران أن تشكيل جيش عربى موحد وفقًا للرؤية المصرية كان سيعتمد على ميثاق جامعة الدول العربية، ومعاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى الموقعة عام 1950، ما يمنحه إطارًا قانونيًا قويًا كآلية للدفاع الجماعي، ولفت إلى أن المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة تعطى الدول الحق فى إنشاء تحالفات دفاعية لحماية أمنها، وبالتالى فإن إنشاء جيش عربى مشترك لا يتعارض مع القانون الدولي، بل يحظى بشرعية واضحة، مضيفا: وجود هذه القوة العسكرية كان كفيلًا بردع أى عدوان خارجي، وخصوصًا من قبل القوى الإقليمية والدولية التى تدخلت فى الشأن العربي، مشيرًا إلى أن أزمات مثل سوريا، ليبيا، اليمن، والعراق، كان من الممكن أن تأخذ مسارًا مختلفًا تمامًا لو توفرت آلية دفاع مشترك فعّالة.

وتابع قائلًا: “لو كان هذا الجيش قائمًا، لكانت إسرائيل قد فكّرت ألف مرة قبل الإقدام على أى عمل عدائى ضد أى دولة عربية، لأنه كان سيُواجه برد عسكرى جماعى فوري”، مشددا على أن الجيش العربى الموحد كان سيجسد مبدأ “الأمن الجماعي”، حيث يُعتبر أى اعتداء على دولة عربية بمثابة اعتداء على جميع الدول الأعضاء، مما يفرض ردًا جماعيًا وفقًا للقانون الدولى ومعاهدة الدفاع العربى المشترك.

وأشار إلى أن إنشاء الجيش العربى الموحد لم يكن فقط لحماية الحدود، بل أيضًا لإطلاق مشروع استراتيجى يشمل تطوير الصناعات الدفاعية والتقنيات العسكرية عربيًا، مما كان سيُقلل من الاعتماد على السلاح الأجنبى ويُعزز من الاستقلالية الاستراتيجية للدول العربية، مختتما حديثه بالتأكيد على أن “الوقت لم يفت بعد”، وأن الأحداث الجارية تُثبت أهمية هذا المشروع أكثر من أى وقت مضى، باعتباره ضرورة حيوية لحماية الأمن القومى العربي، وضمان مستقبل أكثر استقرارًا لشعوب المنطقة.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية