ولد الهدى (الحلقة الثامنة عشرة)، والله يعصمك من الناس
في شهر ربيع الأول، أشرقت الدنيا بنور النبوة، ووُلد خير من وطِئ الثرى، سيدنا محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وآله وسلم، ذلك الميلاد الذي لم يكن حدثًا عابرًا، بل كان بداية لفجر جديد أضاء ظلمات الجاهلية، وأعاد للإنسانية رشدها، وأرشدها إلى صراط الله المستقيم.
في هذه السلسلة المباركة، نتفيأ ظلال السيرة العطرة، ونستعرض بعضًا من مناقب الحبيب المصطفى، وصفاته الخُلُقية والخَلقية، وشمائله التي مدحها رب العالمين، وأثنى عليها السابقون واللاحقون من أهل الإيمان.
عصمة رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم
تعهد الله، عز وجل، بعصمة رسوله، سيدنا محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، من الناس، ومن إيذائهم، والمساس به، فقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ" (المائدة: 67).
وفي تفسير هذه الآية الكريمة يقول "القرطبي": قوله تعالى: والله يعصمك من الناس فيه دليل على نبوته؛ لأن الله عز وجل أخبر أنه معصوم، ومن ضمن سبحانه له العصمة فلا يجوز أن يكون قد ترك شيئا مما أمره الله به، وسبب نزول هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان نازلا تحت شجرة فجاء أعرابي فاخترط سيفه وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: من يمنعك مني؟ فقال: الله. فذعرت يد الأعرابي وسقط السيف من يده، وضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دماغه.
هذا مما ذكره المهدوي، وذكره القاضي عياض في كتاب "الشفاء": وقد رويت هذه القصة في الصحيح، وأن غورث بن الحارث صاحب القصة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عنه، فرجع إلى قومه وقال: جئتكم من عند خير الناس.
فيما رأى السعدي أن: "هذا أمر مِن الله لرسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأعظم الأوامر وأجَلِّها، وهو التبليغ لما أنزل الله إليه، ويدخل في هذا كل أمر تلقته الأمة عنه صلى الله عليه وسلم مِنَ العقائد والأعمال والأقوال، والأحكام الشرعية والمطالب الإلهية. فبَلَّغ صلى الله عليه وسلم أكمل تبليغ، ودعا وأنذر، وبشر ويسر، وعلم الجُهال الأميين حتى صاروا مِنَ العلماء الربانيين، وبلَّغ بقوله وفعله وكتبه ورسله. فلم يبق خير إلا دل أمته عليه، ولا شر إلا حذرها عنه، وشهد له بالتبليغ أفاضل الأمة مِنَ الصحابة، فمن بعدهم مِنْ أئمة الدين ورجال المسلمين. "وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ" أي: لم تبلغ ما أنزل إليك من ربك "فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ" أي: فما امتثلت أمره. "وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ"، هذه حماية وعِصْمة مِنَ الله لرسوله مِنَ الناس، وأنه ينبغي أن يكون حرصك على التعليم والتبليغ، ولا يثنيك عنه خوف من المخلوقين فإن نواصيهم بيد الله وقد تكفل بعصمتك، فأنت إنما عليك البلاغ المبين".
معنى العصمة
ومعنى العصمة: أي المنع والحفظ والوقاية، قال الطبري في تفسيره لقول الله تعالى: "وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" (آل عمران:101).
وفي الشرع: العصمة هي حفظ الله لأنبيائه ورسُلِه من الوقوع في الذُّنوب والمعاصي، وارتِكاب المنكرات والمحرَّمات".
وقال ابن حجر: "وعصمة الأنبِياء على نبيِّنا وعليْهِم الصَّلاة والسَّلام: حِفْظُهم من النقائص، وتخصيصهم بالكمالات النفيسة، والنصرة والثَّبات في الأمور، وإنْزال السَّكينة".
امتاز بسمو الخلق ورجاحة العقل وعظمة النفس
واتفقت آراء علماء الأمة ـ سلفا وخلفا ـ على عصمة سيدنا مُحمد صلى الله عليه وسلم، وحفظ الله له، وأن حياته، صلى الله عليه وسلم، قبل البعثة وبعدها كانت أمثل حياة وأكرمها وأشرفها، فلم تُعْرَف له فيها هفوة، ولم تُحْصَ عليه فيها زَلَّة، بل إنه امتاز بسمو الخلق، ورجاحة العقل، وعظمة النفس، وحُسْن الأحدوثة بين الناس، ثم أوحى الله تعالى إليه وبعثه.
وعن ذلك، قال ابن هشام في "السيرة النبوية": "فشبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم والله تعالى يَكْلَؤه ويحفظه، ويحوطه مِنْ أقذار الجاهلية، لما يريد به من كرامته ورسالته، حتى بلغ أنْ كان أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقًا، وأكرمهم حسبًا، وأحسنهم جوارًا، وأعظمهم حلمًا، وأصدقهم حديثًا، وأعظمهم أمانة، وأبعدهم من الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال، حتى سُمي في قومه الأمين، لِما جمع الله فيه من الأمور الصالحة".
كما قال القاضي عياض: "واعلم أن الأمة مجمعة على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من الشيطان وكفايته منه، لا في جسمه بأنواع الأذى - كالجنون والإغماء -، ولا على خاطره بالوساوس".. ولذلك فإن عصمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ـ في عقيدتنا أصل مِنْ أصول ديننا، وهي عقيدة لا تنفك عن شهادة أن لا إله إلا الله، وأن مُحمدًا رسول الله، والطعن في هذه العصمة طعن في هذه الشهادة.
تدبيره أمر بواطن الخَلق وظواهرهم، وسياسة الخاصة والعامة
وأوضح القاضي عياض في "الشفا بتعريف حقوق المصطفى": "أجمعت الأُمَّةُ فيما كان طريقُه البلاغَ أنَّه معصومٌ فيه من الإخبارِ عن شيءٍ منها بخلافِ ما هو به، لا قَصدًا، ولا عَمْدًا، ولا سَهوًا، ولا غَلَطًا.. أما وفور عقله، وذكاء لُبه، وقوة حواسه، وفصاحة لسانه، واعتدال حركاته، وحسن شمائله، فلا مِرْيَة (شك) أنه كان أعقل الناس وأذكاهم.. ومَنْ تأمل تدبيره صلى الله عليه وسلم أمْر بواطن الخَلق وظواهرهم، وسياسة الخاصة والعامة، مع عجيب شمائله، وبديع سيره، فضلا عما أفاضه مِنَ العلم، وقرره مِنَ الشرع، دون تعلّم سبق، ولا ممارسة تقدمت، ولا مطالعة للكتب، لم يمتر في رُجْحان عقله، وثقوب فهمه لأول وهلة، ومما يتفرع عن العقل ثقوب الرّأي وجودة الفطنة والإصابة، وصدق الظن، والنظر للعواقب، ومصالح النفس، ومجاهدة الشهوة، وحسن السياسة والتدبير، واقتفاء الفضائل، واجتناب الرذائل، وقد بلغ صلى الله عليه وسلم من ذلك الغاية التي لم يبلغها بشر سواه، صلى الله عليه وسلم.. ومَنْ تأمل حُسْن تدبيره للعرب الذين كالوحش الشارد، والطبع المتنافر المتباعد، كيف ساسهم، واحتمل جفاهم، وصبر على أذاهم، إلى أن انقادوا إليه، واجتمعوا عليه، وقاتلوا دونه أهليهم: آباءهم وأبناءهم، واختاروه على أنفسهم، وهجروا في رضاه أوطانهم وأحبابهم، من غير ممارسة سبقت له، ولا مطالعة كتب يتعلّم منها سنن الماضين، فتحقّق أنه صلى الله عليه وسلم أعقل الناس، ولما كان عقله صلى الله عليه وسلّم أوسع العقول لا جرم اتسعت أخلاق نفسه الكريمة اتساعا لا يضيق عن شيء".
وأشار الماوردي في "أعلام النبوة" إلى أنه: "وأما الوجه الثاني: في كمال أخلاقه فيكون بست خصال: إحداهن: رجاحة عقله، وصدق فراسته، وقد دل على وفور ذلك فيه: صحة رأيه، وصواب تدبيره، وحُسْن تألفه".
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا



