120 سنة على وفاة الإمام محمد عبده، رمز الإصلاح والتجديد في الفقه الإسلامي
في مثل هذا اليوم منذ 120 سنة، أي يوم 11 يوليو عام 1905، توفي الإمام الشيخ محمد عبده، رحمه الله.
ورثاه شاعر النيل حافظ إبراهيم، قائلا:
"بكى الشرق فارتجت له الأرض رجة وضاقت عيون الكون بالعبرات
ففي الهند محزون وفي اليمن جازع وفي مصر باك دائم الحسرات
وفي الشام مفجوع وفي الفرس نادب وفي تونس ما شئت من زفرات
بكى عالم الإسلام عالم عصره سراج الدياجي هادم الشبهات"
هو الإمام المجدد محمد عبده (1266- 1323هـ / 1849- 1905 م)، المفكر الإسلامي والفقيه والقاضي والكاتب، وأحد دعاة النهضة والإصلاح في العالم العربي والإسلامي، ورمز التجديد في الفقه الإسلامي.
بعد لقائه بأستاذه جمال الدين الأفغاني كانت له إسهامات بارزة في إنشاء حركة فكرية تجديدية إسلامية في أواخر القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين استهدفت القضاء على الجمود الفكري والحضاري وإعادة إحياء الأمة الإسلامية لتواكب متطلبات العصر.
مولده ونشأته
كان مولد محمد عبده بن حسن خير الله سنة 1266هـ، الموافق 1849م في قرية محلة نصر بمركز شبراخيت في محافظة البحيرة لأبٍ كان جَدّهُ من التركمان، وأم مصرية تنتمي إلي قبيلة بني عدي العربية. درس في طنطا إلى أن أتم الثالثة عشرة فالتحق بالجامع الأحمدي.
كعادة أبناء القرى في ذلك الوقت، أرسله أبوه إلى الكُتّاب، حيث تلقى دروسه الأولى على يد شيخ القرية.
تجربة صعبة في الجامع الأحمدي
وما أن تجاوز الصبا حتى أرسله أبوه إلى “الجامع الأحمدي” (جامع السيد البدوي) بطنطا، لقربه من بلدته؛ ليجوّد القرآن بعد أن حفظه، ويدرس شيئًا من علوم الفقه واللغة العربية.
وقتها كان محمد عبده في نحو الخامسة عشرة من عمره، واستمر يتردد على “الجامع الأحمدي” ما يقرب من العام ونصف العام، إلا أنه لم يستطع أن يتجاوب مع المقررات الدراسية أو نظم الدراسة العقيمة التي كانت تعتمد على المتون والشروح التي تخلو من التقنين البسيط للعلوم، وتفتقد الوضوح في العرض، فقرر أن يترك الدراسة ويتجه إلى الزراعة.
رفض أبوه، وأصر على تعليمه، فلما وجد من أبيه العزم على ما أراد وعدم التحول عما رسمه له، هرب إلى بلدة قريبة فيها بعض أخوال أبيه.
التقى بالشيخ الصوفي "درويش خضر"، خال أبيه، الذي كان له أكبر الأثر في تغيير مجرى حياته. وكان الشيخ درويش متأثرًا بتعاليم السنوسية التي تدعو إلى الرجوع إلى الإسلام الخالص في بساطته الأولى، وتنقيته مما شابه من بدع وخرافات.
نجح الشيخ "درويش" في أن يعيد الثقة إلى محمد عبده، بعد أن شرح له بأسلوب لطيف ما استعصى عليه من تلك المتون المغلقة، فأزال طلاسم وتعقيدات تلك المتون القديمة، وقرّبها إلى عقله بسهولة ويسر.
ونتيجة لذلك، عاد محمد عبده إلى الجامع الأحمدي، وقد أصبح أكثر ثقة بنفسه، وأكثر فهمًا للدروس التي يتلقاها هناك، بل لقد صار "محمد عبده" شيخًا ومعلمًا لزملائه يشرح لهم ما غمض عليهم قبل موعد شرح الأستاذ.
دراسته
التحق بالجامع الأزهر، في سنة 1866م، واستمر يدرس اثني عشر عامًا، حتى نال شهادة العالمية سنة (1294هـ = 1877م).

مع الأفغاني
من أهم من أثر في حياة وفكر الشيخ محمد عبده؛ الشيخ جمال الدين الأفغاني سنة 1871، فقد تتلمذ على يديه، ولازم حلقات درسه فتوطّدت الصلة بينهما وأصبحا صديقين.
تم تعيينه مدرّسا للتاريخ في مدرسة دار العلوم العليا، ودرّس أيضا في مدرسة الألسن.
كان الشيخ حسن الطويل هو ثاني من تأثر بهم محمد عبده، فقد كان له أثر كبير في توجيهه إلى العلوم العصرية، حيث كانت له معرفة بالرياضيات والفلسفة، وكان له اتصال بالسياسة، واتصل بعدد من الجرائد، فكان يكتب في "الأهرام" مقالات في الإصلاح الخلقي والاجتماعي، فكتب مقالا في "الكتابة والقلم"، وآخر في "المدبر الإنساني والمدبر العقلي والروحاني"، وثالثا في "العلوم العقلية والدعوة إلى العلوم العصرية".
رئاسة تحرير "الوقائع المصرية"
وبعد أن تولّى الخديوي توفيق العرش، تقلد "رياض باشا" رئاسة النظار، فاتجه إلى إصلاح "الوقائع المصرية"، واختار الشيخ محمد عبده ليقوم بهذه المهمة، فضم محمد عبده إليه "سعد زغلول"، و”إبراهيم الهلباوي”، والشيخ "محمد خليل"، وغيرهم، وأنشأ في الوقائع قسمًا غير رسمي إلى جانب الأخبار الرسمية، فكانت تحرر فيه مقالات إصلاحية أدبية واجتماعية، وكان الشيخ محمد عبده هو محررها الأول.
واستمر الشيخ محمد عبده في هذا العمل نحو سنة ونصف السنة، استطاع خلالها أن يجعل "الوقائع" منبرًا للدعوة إلى الإصلاح.
مشاركته في الثورة العرابية
شارك محمد عبده في ثورة أحمد عرابي ضد الإنجليز رغم أنه وقف منها موقف المتشكك في البداية؛ لأنه كان صاحب توجه إصلاحى يرفض التصادم إلا أنه شارك فيها في نهاية الأمر.

في النهاية، وبعد فشل الثورة حُكِم عليهِ بالسجن، ثم بالنفي إلى بيروت لمدة ثلاث سنوات، وسافر بدعوة من أستاذهِ جمال الدين الأفغاني إلى باريس سنة 1884م، وأسس صحيفة العروة الوثقى.
وفي سنة 1885م غادر باريس إلى بيروت، وفي العام نفسه أسس جمعية سرية بنفس الاسم، "العروة الوثقى".
في بيروت
اشتغل بالتدريس، في سنة 1886م، في المدرسة السلطانية وفي بيروت تزوج من زوجته الثانية بعد وفاة زوجته الأولى.
وفي عام 1889م/1306هـ، عاد محمد عبده إلى مصر بعفو من الخديوي توفيق، ووساطة تلميذه سعد زغلول، وإلحاح نازلي فاضل على اللورد كرومر كي يعفو عنه، ويأمر الخديوي توفيق أن يصدر العفو وقد كان، وقد اشترط عليه كرومر ألا يعمل بالسياسة فوافق.
محمد عبده، قاضيا
عين قاضيًا بمحكمة بنها، في سنة 1889م، ثم انتقل إلى محكمة الزقازيق ثم محكمة عابدين ثم ارتقى إلى منصب مستشار في محكمة الاستئناف عام 1891م.
في مجلس شورى القوانين
عين عضوًا في مجلس شورى القوانين في 25 يونيو 1890م. وفي سنة 1900م / 1318 هـ، أسس جمعية إحياء العلوم العربية لنشر المخطوطات، وزار العديد من الدول الأوروبية والعربية.
في منصب الإفتاء
عُيِّن في منصب المفتي، في 3 يونيو عام 1899م / 24 محرم 1317 هـ، وتبعًا لذلك أصبح عضوًا في مجلس الأوقاف الأعلى.
قبل الشيخ محمد عبده، كان منصب الإفتاء يضاف لمن يشغل وظيفة مشيخة الجامع الأزهر في السابق. ولكن بعد تعيينه استقل منصب الإفتاء عن منصب مشيخة الجامع الأزهر.
وبهذا أصبح الشيخ محمد عبده أول مفتي مستقل لمصر معين من قبل الخديوي عباس حلمي، وعدد فتاوى الشيخ محمد عبده بلغ 944 فتوى استغرقت المجلد الثاني من سجلات مضبطة دار الإفتاء بأكمله وصفحاته 198، كما استغرقت 159 صفحة من صفحات المجلد الثالث.
مع الخديوي عباس
اشتهر عن الخديوي عباس أنه كان كارها للاحتلال، فسعى الشيخ محمد عبده إلى توثيق صلته به، واستطاع إقناعه بخطته الإصلاحية التي تقوم على إصلاح الأزهر والأوقاف والمحاكم الشرعية، وصدر قرار بتشكيل مجلس إدارة الأزهر برئاسة الشيخ "حسونة النواوي"، وكان محمد عبده عضوا فيه.
بهذا أتيحت الفرصة للشيخ محمد عبده لتحقيق حلمه بإصلاح الأزهر، لكن علاقته بالخديوي عباس كان يشوبها شيء من الفتور، الذي ظل يزداد على مر الأيام، خاصة بعدما اعترض على ما أراده الخديوي من استبدال أرض من الأوقاف بأخرى له إلا إذا دفع الخديوي للوقف عشرين ألف فرقًا بين الصفقتين.
وصلت العلاقة إلى العداء السافر من الخديوي، فبدأت المؤامرات والدسائس تُحاك ضد الإمام، وأخذت الصحف تشن هجومًا قاسيًا عليه لتحقيره والنيل منه، ولجأ خصومه إلى الطرق الرخيصة لتشويه صورته؛ حتى اضطر إلى الاستقالة من الأزهر في سنة 1323هـ/ 1905م.
بعد ذلك أحس الشيخ بالمرض، واشتدت عليه وطأته، وتبيّن أنه السرطان.
وفي يوم 11 يوليو من عام 1905، تُوفي بالإسكندرية عن عمر بلغ ستة وخمسين عامًا.. ودفن، رحمه الله، بالقاهرة.
أثره في الفقه الإسلامي
يعتبر الإمام محمد عبده واحدًا من أبرز المجددين في الفقه الإسلامي في العصر الحديث، وأحد دعاة الإصلاح وأعلام النهضة العربية الإسلامية الحديثة؛ فقد ساهم بعلمه ووعيه واجتهاده في تحرير العقل العربي من الجمود الذي أصابه لعدة قرون، كما شارك في إيقاظ وعي الأمة نحو التحرر، وبعث الوطنية، وإحياء الاجتهاد الفقهي لمواكبة التطورات السريعة في العلم، ومسايرة حركة المجتمع وتطوره.
تأثر به العديد من رواد النهضة مثل: عبد الحميد بن باديس ومحمد رشيد رضا وعبد الرحمن الكواكبي.
رأيه في التصوف
قال عن التصوف: "أنه لم يوجد في أمة من الأمم من يضاهي الصوفية في علم الأخلاق وتربية النفوس وأنه بضعف هذه الطبقة فقدنا الدين".
وقال: "قد اشتبه على بعض الباحثين في تاريخ الإسلام وما حدث فيه من البدع والعادات التي شوَّهت جماله السبب في سقوط المسلمين في الجهل فظنوا أن التصوف من أقوى الأسباب وليس الأمر كما ظنوا...".
أهم مؤلفاته
رسالة التوحيد.
تحقيق وشرح "البصائر القصيرية للطوسي".
تحقيق وشرح "دلائل الإعجاز" و"أسرار البلاغة" للجرجاني.
الإسلام والنصرانية بين العلم والمدنية (رد به على إرنست رينان سنة 1902م).
تقرير إصلاح المحاكم الشرعية سنة 1899م.
شرح نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب
العروة الوثقى مع معلمه جمال الدين الأفغاني.
شرح مقامات بديع الزمان الهمذاني
من فتاويه
أفتى بآراء مهمة عن الوقف وقضاياه، والميراث ومشكلاته، والمعاملات ذات الطابع المالي والآثار الاقتصادية، مثل البيع والشراء، والإجازة والرهن والإبداع، والوصاية والشفعة والولاية على القصر، والحكر والحجر والشركة وإبراء الذمة، ووضع اليد والديون واستقلال المرأة المالي والاقتصادي.
عن مشاكل الأسرة وقضاياها، من الزواج، والطلاق والنفقة والإرضاع والحضانة، والإقرار بالغلام المجهول.
عن القود والقتل والقصاص.
وكانت 80% من الفتاوي تتعلق بمشكلات خاصة بالحياة المالية والاقتصادية، ولديه العديد من الفتاوى الجريئة التي أثارت ضجة في عصره، مثل تحليله التصوير والنحت إلى جانب فتاويه في فوائد الأموال المودعة في مصلحة البريد.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
