رئيس التحرير
عصام كامل

اعرف نفسك

عزيزي القارئ تحدثنا في المقال السابق عن تعريف الإنسان وألقينا الضوء على الروح وقلنا إنها نفخة الرحمن في الجسد الطيني وهي مكمن سر الحياة في الإنسان، وبها الإنسان كائن حي له كيان له وقيمة وقدر. وبها الإنسان فعال في الأرض وسيدا عليها وهي الممدة للعقل والقلب والنفس والفعالة فيهم. 

 

وذكرنا أن الروح ليس لها أي ارتباط بعالم الأرض والعالم المادي ولا علاقة لها بحظوظ النفس وشهواتها فهي خالية من الغرائز  والشهوات، إذ إنهما تابعين للنفس. والروح  خارجة عن أحكام الزمان والمكان ولا يحدها ولا يهيمن عليها شيء، وللروح غذاء وقوت وهو ذكر الله عز وجل وطاعته. 

Advertisements

 

فهي  على أثر الذكر والطاعة والالتزام بمنهج الله وشريعته وإتباع هدى الرسول الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسمو وتحلق إلى الملأ الأعلى حيث مصدرها وتتصل بباريها سبحانه وتعالى.  

 

والروح سجينة الجسد ما دام هناك حياة للإنسان على الأرض، وليس للروح هيئة ولا كيف ولا وصف ولقد أشار العارفون بالله تعالى أصحاب العلوم اللدنية والذين خصهم الله تعالى بأنوار وعلوم وحقائق المعارف. أشاروا إليها بكلمة اللطيفة النورانية وسر الله الأعظم في مملكة الإنسان.  

 

الروح والذات المحمدية

والروح هي أرقى مراقي عالم اللطيف فلا كثافة لها ولا وزن ولا ثقل، نفخها الله في القلب ومنه تسري إلى العروق والأنسجة والخلايا والأعصاب والجوارح. وسائر الحواس والجوارح. والروح هي سر الله فينا فهي نفخته المنسوبة إليه سبحانه يقول عز وجل: "وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي".. 

 

وقد ورد ذكر كلمة الروح في ثلاث وعشرين آية في كتاب الله تعالى لمعان متعددة هذا عن الروح. ولسوف نفرد مقالا عن ذلك. وقد أشار إليها أحد العارفين بالله تعالى إلى أنها نور ذاتي منسوب إلى الذات المحمدية أول التعينات في عالم الخلق والوجود، وهو النور الذي فتق به الحق عز وجل عالم الغيب والخلق وأوله ظهورا..

 

وهو نور الذات المحمدية الذي هو روح الأرواح ومحل سريان السر الساري في سائر الأسماء والصفات واستدل بذلك بقول الله تعالى "وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ۚ ". وقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم "أنا نبي وآدم مجندل في طينته". هذا وأما عن القلب فهو موضع النفخة ومحل الإيمان والنية وموضع النظر من الله تعالى وموضع التجلى الرباني، وهو عقل العقل وبصر الإبصار.

 

يبصر بعين فيه تسمى بعين البصيرة وهي عين تفتح من الله عز وجل لعباده المؤمنين أهل الصلاح والتقوى. وهي عين ترى ما لا يرى وتعلم من الله تعالى ما لا يعلم. وصدق من قال "قلوب العاشقين لها عيون ترى ما لا يراه الناظرون ولهم أجنحة بغير ريش يطيرون بها في ملكوت رب العالمين". والقلب هو المكاشف لعالم الملكوت إذا صفى وطهر من العلائق والأغيار وحب الدنيا، وهو مكان ومحل التجليات والإفاضات الربانية.. 

 

يقول تعالى في الحديث القدسي: "ما وسعتني أرضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن"، أي أن السماوات والأرض لا تسع تجليات الحق سبحانه بأنوار أسمائه وصفاته، وإنما قلب المؤمن مع صغر حجمه إلا أنه هو الذي يسع تجليات الحق عز وجل بما فيها من أنوار وعلوم ومعارف وأسرار وحقائق ورقائق ومعانٍ..

 

القلب والنفس

والقلب هو تلك المضغة التي أشار إليها الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام بقوله: "ألا إن في الجسد كله مضغة إن صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب". وصلاح القلب مرتبط بتزكية النفس فإذا ما تزكت النفس وتخلصت من صفتها الأمارة بالسوء وتخلت عن النقائص والرذائل وتحلت بالكمال والمكارم تطهر القلب وصلح، نفهم من ذلك أن هناك رابط بين القلب والنفس..


هذا بإيجاز عن القلب. أما عن النفس فهي جوهر ذات الإنسان وهي الجامعة للأضداد كلها وهي القابلة للسمو والارتقاء وتجاوز منازل الملائكة، وهي في نفس الوقت وبنفس القدر والقوة القابلة للانحطاط والتدني، يقول سبحانه: "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ۝ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ۝ قَدْ أَفْلَحَ مَن زكَّاهَا ۝ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا"..


هذا وللنفس عدة أوصاف كل وصف على حسب ما هي عليه من حال وهي سبع صفات، الأمارة بالسوء واللوامة والملهمة والمطمئنة والراضية والمرضية والكاملة التي يمنحها الله عز وجل إذن الدخول في جنة أنسه والمقام في حضرة القرب.. 

 

حيث قال تعالى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِ"، هذا والنفس البشرية هي أعدى أعداء الإنسان وأخطر عليه من سبعين شيطانًا كما أخبر النبي الكريم بقوله: "أعدى عدو لك نفسك التي بين جنبيك إنها لأقوى من سبعين شيطانا".


ولذا جهادها هو الجهاد الأكبر، هذا باختصار عن النفس، أما عن العقل فهو قائد مملكة الإنسان وبه كان تكريم الإنسان وبه يتفاضل الناس، والعقل به يفكر الإنسان ويقيس ويزن الأمور ويزن الأشياء وهو المبتكر والمخترع وهو محل العلوم، والعقل له على النفس تأثير وللنفس تأثير فيه فإذا أثر في النفس استقامت وإذا أثر فيه هوى النفس ضل صاحبه وغوى..

وللعقل وصل بالقلب ففي كلاهما نور مبعثه الروح وهوى النفس له دخنة سوداء حائل بين التقاء نور القلب ونور العقل، وإذا تبخر هوى النفس وزالت دخنته يلتقي النور بالنور عند ذلك يلتقي الأربع في وحدة واحدة وهي الروح والقلب والعقل والنفس، هذه بعض خواطري حول أعظم مملكة في الكون وعالم الخلق وهي مملكة الإنسان خليفة الله في الأرض وسيدها.. عزيزي القارئ نستكمل حديثا عن أسرار الله تعالى في مملكة الإنسان في المقالات التالية بمشيئة الله تعالى..

الجريدة الرسمية