رئيس التحرير
عصام كامل

الحب سر الوجود والحياة

من المعلوم لدى المؤمن أن الله تعالى ليس له علة في خلقه. لا فيما خلق وأوجد ولا فيما قضى وقدر فهو تبارك في علاه القائم بذاته والغني عن العالمين. يقول عز وجل "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ". وهو سبحانه الذي لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية ولا ينتقص من خزائن فضله مثقال ذرة مع عظيم عطاءه. 

 

هذا ومن المعلوم أن الخلائق كلها معوزة وفقيرة إليه سبحانه. هنا سؤال يطرح نفسه وهو ماذا وراء خلق الخلق؟. ولماذا خلقنا الله تعالى ؟. الإجابة نجدها في المراد الإلهي الأول الذي أعلنه الحق عز وجل والذي انبثقت منه كل المرادات الإلهية المشار إليها في الحديث القدسي بقوله تعالى "كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني". 

Advertisements

 

إذا أن مراده سبحانه وتعالى من الخلق معرفته عز وجل والأصل في ذلك الحب أي أنه تعالى محبا بذاته جل جلاله فأراد أن يظهر تلك المحبة في خلقه. هذا والغاية من المعرفة به الوصول إلى محبته. ويؤكد ذلك قول سيدنا عبد الله ابن العباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" قال: أي إلا ليعرفون، والمعرفة بالله تصل بصاحبها إلى محبته تعالى.  

 

هنا سؤال يطرح نفسه وهو. هل العبادة هي في حد ذاتها هي الغاية؟. في الحقيقة أن العبادة وسيلة وليست بغاية إذ أن الغاية من العبادة فتح باب المعرفة به سبحانه والتعرف عليه عز وجل للوصول إلى الغاية وهي محبته سبحانه وتعالى. 

لماذا أوجب الله عز وجل علينا محبته؟

هذا ولكون أن الأصل في العلاقة بين العبد وربه تعالى الحب جعله الله عز وجل هو الأصل في إتباع الرسول الكريم صلى الله على حضرته وعلى آله وسلم. حيث يقول تعالى "قُل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم". 

 

هنا سؤال أيضا وهو لماذا أوجب الله عز وجل علينا محبته؟. نلخص الإجابة في ثلاث وهي أنه تعالى تفضل علينا بنعمة الخلق والحياة. فهو الذي اوجدنا من العدم بقدرته سبحانه وخصنا بالتكريم فقد خلقنا في أحسن تقويم. وسوانا بيد القدرة الإلهية ولم يبدأ خلقنا بكلمة كن كسائر المخلوقات. وأسجد لنا الملائكة سجود تكريم وتعظيم. وعلم أبانا آدم الأسماء كلها. وسخر لنا ما في السموات والأرض. 

 

ولم يهملنا بعدما خلقنا فارسل إلينا الأنبياء والرسل عليهم السلام وأنزل علينا رسالات وكتب أودع لنا فيها ما تستقيم به حياتنا في رحلة الحياة الدنيوية وما يقيمنا في السعادة الأبدية في دار الخلد في الآخرة. 

 

هذا أولا.. أما ثانيا: أن كل النعم التي نتقلب فيها الظاهرة والباطلة ولا حصر لها من محض فضله عز وجل. يقول سبحانه "وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ " ويقول سبحانه "وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ ". هذا ثانيا. وثالثا: إنا إليه مآلنا وبيده عز وجل حسابنا. وهو الذي يملك العفو والمغفرة. من أجل ذلك لا يستحق الحب الأعظم إلا الله تعالى. 

 

هذا وقد يجهل البعض أن كما أن للإسلام أركان وأسس يقام عليها كذلك للإيمان أركان يقام عليها كلها الأصل فيها الحب لقول النبي الكريم صلى الله على حضرته وآله وسلم "لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما". وفي رواية "لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين"..

 

هذا ومن أركان الإيمان بالله محبة الحبيب المصطفى وأهل بيته الأطهار. لقوله عليه الصلاة والسلام "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وعترتي أحب إليه من عترته وأهلي أحب إليه من أهله وذاتي أحب إليه من ذاته" هذا والأحاديث في هذا المعنى كثيرة مروية بأسانيد صحيحة.

 

 

هذا ومن أركان الإيمان أن يحب العبد المؤمن لأخيه المؤمن ما يحبه لنفسه كما جاء في قوله عليه الصلاة والسلام "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه".. إذا إنه الحب. الحب هو سر الوجود والحياة..

الجريدة الرسمية