رئيس التحرير
عصام كامل

غزوات.. أم فتوحات ؟ مغالطات حول الرسول (2)

التاريخُ يخبرنا عن الفظاعاتِ التي واجهها المسلمون في فجرِ الدعوة الإسلامية، والرغبةِ العارمةِ لدى قريش، ومن حولها من المشركين، والمعاندين، للتخلص من الرسول، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وكم حاكوا من مؤامراتٍ، وخططوا لاغتياله، لكن الله نجاه؛ " وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ". وفي الاشتباكات القليلة التي خاضها المسلمون، بقيادة سيدنا محمد، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، لم يكونوا أبدًا مبادرين بالهجوم، ولا بادئين بالاعتداء. 

Advertisements

 

الفضلُ في لفت نظري إلى هذا الملف الخطير؛ هو العالمُ الجليلُ فضيلةُ الشيخ محمود أبو سليم، رضوان الله عليه، أحد كبار شيوخ الطريقة الشاذلية، بل هو صاحب الفكر السديد في هذه القضية، فقد قال في أكثر من مناسبة: إن سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، لم يكن في يومٍ من الأيام غازيًا.. ونحن نسيء إليه، وإلى سيرته العطرة، وتاريخه الناصع، بوصف معاركه بأنها غزوات.


فتوحات وليست غزوات


الشيخُ محمود أبو سليم، من وجهة نظره، وأنا أؤيدها تمامًا، أن تلك الاشتباكات كانت فتوحاتٍ مباركةً، فتوحاتٍ إيمانية، وروحانية، وليست مجرد فتوحات لبلدان وأراضٍ.. هي فتوح من الله، عز وجل، لنبيه؛ بهدف نصرته، وإثبات صدق دعوته، إنها معجزات ساقها الخالق، سبحانه، لكي يعتبر أولو الألباب، ويتبعوه، فيخرجوا من الظلمات إلى النور، ومن ضيق الكفر والشرك إلى فضاء الإيمان.. ولو كانت غزوات لما أيده الله بملائكة تقاتل في صفوف المسلمين.


لننظر إلى كل اشتباك خاضه رسولُنا الكريمُ، صلواتُ ربي وتسليماتُه عليه، كيف كان الموقفُ الاستراتيجي للمسلمين وأوضاعُهم الاقتصادية واللوجستية قبله، وبعده.. كم كان عدد المسلمين قبله، وكم كان بعده.. وكيف كانوا يدخلون في دين الله أفواجًا، بعد كل فتح من تلك الفتوح المباركة.


كيف كان المسلمون مستضعفين قبل بدرٍ، وكيف اضطرَّ الرسولُ، اضطرارًا، لدخول مواجهة غير متكافئة في العدد والعدة، مع جيش الكفار العرمرم. كان الرسولُ مضطرًّا، ومدفوعًا إلى ذلك الصراعِ، وقد نصرَه اللهُ، واستجاب لدعائه: "أمَّنْ يجيبُ المضطرَّ إذا دعاه ويكشفُ السوءَ"، "ولقد نصركم اللهُ ببدرٍ وأنتم أذلةٌ".


في أُحُد


وفي أُحُد، كان الرسولُ، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، يحبِّذ التحصَّنَ بالمدينة، وانتظار هجومِ المعتدين، والدفاع عن النفس ضد غزو قريش، لكن رأي الشباب، آنذاك، كان بمثابة الأغلبية، وكانوا يرون الخروج لمنازلة جيش قريش.. فنزل صلوات الله وتسليماته عليه، على رأيهم، وخرج إلى الصحراء، حيث التقوا عند جبل أُحُد.


وفي ذلك درس رائع للقيادة الحكيمة، ومصداقًا لقول الله، تعالى: "وإنك لعلى خُلُقٍ عظيم".. قبل اختراع كلمة الديمقراطية بقرونٍ مديدةٍ.. ولا مانع من تسميتها الشورى، كما يحلو لمؤرخينا.
في وقعة أَحُد، طلب الكفار، مثلما فعلوا في بدر، منازلةَ أبطالِ المسلمين، وانتصر المسلمون مثلما انتصروا من قبل في المعركة السابقة.

 


كاد المشركون ينجحون في القضاء على المسلمين، الذين تقهقروا بعد انكشافِ ظهرهم؛ لمخالفة الرماةِ تعليماتِ القائدِ، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. ورغم الخسائر في الأرواح فقد دخل ناسٌ جددٌ في الإسلامِ، ولو كانت غزوة لحدث العكس، ولخرجَ أقوامٌ من الإسلامِ، فقد رأوا قائدَهم يخسرُ. هو فتحٌ وليس غزوةً.. معجزةٌ وليست معركةً.

الجريدة الرسمية