رئيس التحرير
عصام كامل

من رسائل الإمام الأكبر

الأصل في الطلاق الحظر.. لتجنب هدم الأسر

أرقام الطلاق صادمة في مجتمعاتنا؛ حتى بات ظاهرة خطيرة تهدد بتقويض الأسر وتشريد الأبناء وتفكك المجتمعات وتحلل العلاقات الاجتماعية، وحين تمعن النظر في أسباب الطلاق تجدها كثيرة لكن أهمها هو الجهل أو إهمال الوصايا الدينية فيما يخص حقوق الزوجية؛ وتكوين الأسر وسلامتها وصيانتها من الشقاق بين الزوجين، وفقًا لما تفرضه الشريعة.


حسنًا فعل الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب حين أكد أن فوضى الزواج والطلاق أثر من آثار فهم نصوص الشريعة فهمًا فيه من وحي العادات والتقاليد أضعاف ما فيه من وحي القرآن والسنة، فرغم امتلاك أمتنا تعاليم تكفل رقي المرأة وقدرتها على تحمل مسئولياتها التربوية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فإنها ما زالت تراوح بين مد وجزر، وتقدم وتقهقر على طريق النهضة والإصلاح.


هذا التراجع في دور المرأة أرجعه الإمام الطيب إلى أمرين: أولهما أن تشريعنا الفقهي يسير في اتجاه عكس اتجاه النصوص الشرعية، حين طغى منطق العادات والتقاليد والعرف المتوارث على التشريعات القرآنية والنبوية الواردة في شأن إنصاف وتمكين المرأة من حقوقها، حتى صارت التقاليد كأنها الأصول.. والنصوص كأنها فروع خادمة لهذه الأصول.. 

 

وكانت الثمرة المُرة لهذا الوضع أن أصبحت المرأة المسلمة التي حرر الإسلام عقلها منذ قرون عدة من قيود الجهل، وأطلق إرادتها من التبعية العمياء  أصبحت مضرب الأمثال في الضعف والاستكانة والانزواء بين الجدران.. أما السبب الآخر فهو اختلاط العادات والسياسات بالدين وإخضاعه لأهوائها وتقلباتها.


فوضى الزواج والطلاق أيضًا، وما نشأ عنهما من ضرر بالزوجات والأمهات في حالات فوضى التعدد، ومن حرمان كثير من الأطفال من حقوقهم في عيش آمن وأسرة مستقرة، واستقطابهم ليكونوا أطفال شوارع واستغلالهم في جرائم الجنس والسرقة وترويج المخدرات، والمتاجرة بطفولتهم البريئة في الإعلانات، وإجبارهم على أعمال لا يطيقونها ولا حيلة لهم في الصبر عليها.


وهنا يضع فضيلته  أيدينا على إشكالية أخري تقود للطلاق وهي تعدد الزوجات بلا فهم ولا إدراك سليم، مؤكدًا أن نصوص القرآن - بكل يقين وتأكيد- لم تبح للمسلم أن يتزوج ثانية وثالثة ورابعة إباحة مطلقة، بغير قيد أو شرط، وإنما أباحت له ذلك من أجل الضرورات، المشروطة بالعدل المطلق في كل تصرف صغير أو كبير يصدر من الزوج تجاه زوجتيه أو زوجاته، وهو العدل في الإنفاق وفي الطعام وفي الملبس والمسكن والمبيت.


فلسفةَ الإسلام في بناءِ الأُسرة تستبعدُ اللجوء للطلاق جَذْريًّا ما أمكن تفاديه لإنقاذ الأسرة من عواقبِه الأليمة؛ ذلك أن تشريع الطَّلاق جاء لتحرير المرأة من سجنٍ مُظلمٍ، ومن شريعة جاهلية ومنهاجٍ ظالمٍ، وانتهي الإمام الأكبر إلى القول إن الأصل في الطلاق هو الحظرأي الحُرْمَة إلَّا لأسبابٍ تحول بين تحقيق الهدف أو الغاية من العيش في إطار هذا الرباط المقدَّس.. 

فإذا وقع الطلاق بلا سبب فإنه يكون حمقًا وسفاهة رأي ومجرَّد كفران بالنِّعمة، وإلحاق الإيذاء بالزوجة وأهلها وأولادها.. فهل يراجع الأزواج الراغبون في التعدد أو إنفاذ الطلاق أنفسهم حتى لا يقعوا في ظلم الزوجات ويخالفوا شرع الله؟!

الجريدة الرسمية