رئيس التحرير
عصام كامل

من رسائل الإمام الأكبر

اجتهاد فقهي.. يتصدى لفوضى تعدد الزوجات

الفهم الخاطئ لمفهوم تعدد الزوجات أصاب المجتمع بأضرار خطيرة؛ تقطعت بسببها العلاقات وتشرد الأبناء وامتلأت المحاكم بالمتنازعين؛ فالأزواج لا يحققون العدل بين زوجاتهم وبعضهم ينصرف إلى الزوجة الجديدة تاركًا أسرته الأولى دون إنفاق.. والزوجات لا يقبلن بأن يتزوج عليهن أزواجهن؛ وكلا الموقفين لا يصدر عن فهم صحيح للدين..

 

وهو ما تصدى له الإمام الأكبرالدكتور  أحمد الطيب، شيخ الأزهر في برنامجه التليفزيوني، داعيًا لاجتهاد فقهي يُبيِّن للناس حقيقة ما نُزل إليهم في شأن تعدد الزوجات، والخروج بفقه آخَر أو فتاوى أخرى أقرب إلى كتاب الله وسُنَّة نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم،؛ ذلك أن مَواريث العادات والأعراف تغلبت على مواريث الشَّريعة وأحكامها في تلك القضية الخطيرة. 

رخصة مشروطة

 

التأمُّلِ في ميراثِنا الفقهي العظيم، وآراء أئِمَّة الفِقْه والتفسير والحديث  لا يعني بالضرورة الدعوة إلى تشريعاتٍ جديدةٍ تُلْغِي حق التعدُّد الذي اتفق الفقهاء أنه في أفضلِ أحوالِه رُخصةٌ مشروطةٌ بتحقق القُدرةِ على الإنفاق على زوجتين، والعدل المطلق بينهما، ذلك أن مجرد الخوف من عدم الوفاء بأي من هذين الشرطين يجعل من الزواج الثاني ظُلمًا يَحْرُم ارتكابه كما قال شيخ الأزهر.


ورغم اتفاقِ العلماءِ على وجوبِ الزواج على مَن يخشى على نفسِه الوقوع في الفاحشة، فأنهم يشترطون في هذه الحالة رُغم ضرورتها، ألَّا يترتَّب على زواجه هذا ضررٌ يلحقُ بالزوجة كعدم القُدرة على الإنفاق عليها مثلًا.. شيخ الأزهر يضع أيدينا على حقيقة مهمة يغفلها كثير من الأزواج في مجتمعاتنا الشرقية؛ وهو بيان من شأنه إذا وجد آذانا صاغية وقلوبًا صادقة أن يضع حدًا لفوضى تعدد الزوجات؛ فالمذاهب الفقهيَّة تُجْمع -كما قال شيخ الأزهر- على حُرمةِ الزواج ابتداءً أو تعدُّدًا إن كان الزوج غير قادر على النفقة على زوجته.


أما لماذا تفاقمت تلك الظاهرة.. فإن الإمام الأكبر يرجع الأمر إلى الفَهم المعوج لآية «مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ»، فالفتاوى التي طرقت أسماع العامَّة في مأساة التعدد اقتصرت على التركيزِ على أمرٍ مشروطٍ هو: إباحة مثنى وثلاث، وصمتت عن الشرط الذي هو التأكُّد من العدل، ومن عدم لحوق الضرر بالزوجة الأُولى، حتى أصبح المسلم الفقير المعوز يتزوَّجَ بثانيةٍ، ويترك الأولى بأبنائها وبناتها يعانين الفقر والضياع، ويتكففن الأهل والأقارب أعطوهنَّ أو منعوهنَّ، ولا يجد هذا الزوج حرجًا في صدرِه يردُّه عن التعسُّف في استعمال حق شرعي خرج به عن مقصدِه ومآلِه. 


فماذا كانت نتيجة مثل هذا الفَهْم  الخاطيء؟ أن الجميع بات  يتصور أن التعدُّد حقٌّ مباحٌ دون قيدٍ ولا شرط، وترسَّخ في الوجدان أنَّه لا مسئولية شرعية تقف دون هذه الرغبة حتى لو كان الباعث عليها شهوةٌ طائشةٌ أو نزوةٌ طارئةٌ، نتيجة  تفسيرُ النُّصُوصِ في ضوءِ العادات، وليس تحكيم النصوصِ لتوجيه العاداتِ والتقاليد، وأنَّ هذه العِلَّةَ ما زالت تعملُ عملها رُغم تنبيه كثيرٍ من علمائنا وفقهائنا المعاصرين لأخطارِها المتراكمة على مجتمعاتِنا في نهضتها الحديثة.

 


ما ينبغي أن  نفهمه كما يقول الإمام الأكبر أن آية { فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا (3)} تصل إلى حد النهي عن تعدد الزوجات إذا لم يكن الزوج متيقنا من تطبيق شرط العدل التام بينهن، ذلك أن مفهوم العدل هنا ليس مقصودًا  به التسوية بين الزوجتين في النفقة والكسوة والمسكن فحسب، بل في البشاشة وحسن العشرة واللطف في القول، وكل ما يدخل تحت قدرته دون ميل القلب..ترى  مَنْ من الأزواج يضمن لنفسه أن يحقق مثل العدل حتى يجترئ على تعدد الزوجات..

الجريدة الرسمية