رئيس التحرير
عصام كامل

فقر الإنترنت!

لكل عصر آياته وآية هذا العصر الإنترنت ومن المؤكد الآن أنه بدون توافر الإنترنت تتوقف الحياة حرفيًا، بدونه ينقطع الدخل لآلاف من الأسر ولملايين من المواطنين، فالإنترنت لم يعد رفاهية أو أمر جانبي كما كان عليه الحال منذ عشر سنوات، الإنترنت أصبح ركنًا من أركان الحياة، حقًا ومكتسبا لكل مواطن، مثله مثل الهواء والمياه والحياة الكريمة. 

 

وفي ظل مساعي الدولة المصرية لتحقيق التحول الرقمي للخدمات الحكومية بمختلف القطاعات، لتعزيز مفهوم الشمول المالي في المجتمع المصري، أصبح الأمر يواجه صعوبة بالغة في التطبيق، في ظل تدني خدمة الإنترنت، بالإضافة إلى أن الإنترنت في مصر محدود وبأسعار مرتفعة مقارنة بمتوسط الدخل الشهري للمواطن المصري، وبالأخص الشباب وحديثي التخرج، باعتبارهم الفئة المستهدفة.. 

 

وبالتالي لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستفادة من التحول الرقمي في مصر إذا كان الإنترنت محدودًا وبأسعار مرتفعة، وكانت البداية في عام 2009 صدر قرار من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، بوضع سعة لعمليات التنزيل الخاصة بكل اشتراك، وكان الغرض منه الحد من ظاهرة الوصلات غير الشرعية، والتي كان البعض يقوم من خلالها بمد الخدمة لأكثر من شخص، من خلال اشتراك واحد فقط.

 

و في هذا الوقت من عام 2009 تم فرض سعات محددة نظير كل اشتراك، كانت مناسبة بمقتضى استخدام الإنترنت المحدود حينها، فلم يكن ثمة حاجة لاستهلاك قدر كبير من البيانات في المقاطع المصورة، وألعاب الفيديو مثلما هو الآن، فكانت السعة حينها 40 جيجابايت لسرعة 128 كيلوبايت، وبالتدريج تم رفع هذا الحد إلى 140 جيغابايت، لكنها سعة لا تكفي الاستخدامات الحالية وفي بداية وضع سياسة الاستخدام العادل توقف الضرر الواقع على الشركات، وكان المتضرر حينها من يقوم بمد وصلات غير شرعية فقط، لكن الآن أصبح الوضع معكوسًا..

سياسة الاستخدام العادل للإنترنت

ووفقا للتقارير المتخصصة لعام 2022، يستخدم نحو 76 مليون مصري الإنترنت، بنسبة حوالي 72 في المئة من عدد السكان (105 ملايين نسمة)، ينشط منهم نحو 51 مليون نسمة (حوالي 49 في المئة)، على منصّات التواصل الاجتماعي. وصحيح أن فكرة توفير إنترنت من دون حدود سيؤدي إلى رفع سعر الكلفة بشكل كبير وذلك لن يكون عادلًا لمن لا يستخدم الإنترنت بشكل كبير وهو ما يحمل المواطن كلفة أكبر من قيمة استهلاكه.


علما بأن متوسط سرعة الإنترنت الثابت وصل إلى 35.67 ميغابايت/ ث لتحتل مصر المرتبة 86 عالميًا. ومنذ فترة ظهر هاشتاجً تضمن مطالبة الدولة بإجبار مزودي خدمات الإنترنت على إلغاء سياسة الاستخدام العادل للإنترنت التي تعني وضع حد يومي أو شهري للبيانات المستهلكة على الشبكة، وعندما يتخطى العميل ذلك الحد تنخفض السرعة تلقائيًا إلى سرعة متدنية حتى انتهاء المهلة المحددة لتجديد باقة الإنترنت علما بأن أقل باقة، سرعة تصل إلى 30 ميجابايت وسعة تحميل 140 جيجابايت، تكلف 137 جنيهًا مصريًا بعد الضريبة، أي حوالي 1.6% من متوسط الأجور. 

 

ولكننا هنا نتحدث عن 140 جيجابايت في هذه الأيام، وهي ما لا تكفي استهلاك أسبوع واحد حتى، وكل هذا نتحدث عن أقل سرعة يمكن الحصول عليها نحو 30 ميجابت في الثانية، أما إذا أردت الحصول على سعة استخدام تساوي 1000 جيجابايت، بسرعة تصل إلى 200 ميجابت في الثانية، ستدفع 1140 جنيهًا، أي ما يعادل 47.5% من الراتب الأدنى للموظف  وحوالي 13.5% من متوسط الأجور.. 

 

وهكذا لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستفادة من التحول الرقمي في مصر إذا كان الإنترنت محدودًا وبأسعار مرتفعة مقارنة بالدخل الشهري للمواطن المصري، وإزاء كل هذا مطلوب إعادة النظر مجددًا في سياسة الاستخدام العادل، بزيادة سعات استخدام الباقات، بشكل يمنع المتاجرة في الاشتراكات بشكل حاسم، بالوصلات غير الشرعية، وكذلك يقدم الخدمة للمواطن بسعر عادل، كون الخدمة الحالية تكلفتها مرتفعة للغاية على المواطن، في ظل النظم الجديدة للعمل والتعليم من بعد.

 

كما يمكن طرح باقات غير محدودة بأسعار مناسبة، تمكن الشركات من تحقيق أرباح، إلى جانب أنّه بات من اليسير تقنيًا تحديد عدد المستخدمين في كل موجه (راوتر)، وهو ما يحدّ من ظاهرة الاستخدام غير الشرعي للإنترنت. كما يمكن منح تراخيص لعدد أكبر من الشركات وتحديدًا في المحافظات، ما يفتح المجال للمنافسة، ويتيح فرصًا أكبر للضغط على الشركات، ليس دفعًا للخسارة، ولكن بهدف تحقيق أرباح منطقية.

الجريدة الرسمية