رئيس التحرير
عصام كامل

الدبلوماسية الرئاسية الاقتصادية

في رحلة عمل -موفقة جدا وذكية- طاف الرئيس السيسي عددا من الدول بداية بالهند وأذربيجان وأرمينيا، وقد قلل البعض من أهمية تلك الزيارات من الناحية الاقتصادية، بل قلل هؤلاء –وما هم سوى إخوان إرهابيين أو من شايعهم أو بعض الجهلاء– من زيارة الرئيس السيسي للهند، معتبرا أن الهند بلد نامي مثل مصر ليس لديه ما يقدمه أو يساعد به مصر، بل هي دولة فقيرة، وهؤلاء إما أنهم يتحدثون عن حقد وضيق من الرئيس الذي ساند ثورة الشعب المصري فتم إزاحة الجماعة الإرهابية عن مصر، أو يتحدثون عن جهل متعمد..

 

وسنبين في هذا المقام أهمية زيارة الرئيس السيسي للهند وأذربيجان وأرمينيا، بل والسر الحقيقي وراء هذه الزيارات، فالهند التي يذكرون أنها دولة فقيرة كانت كذلك من عقود لكنها الآن هي خامس قوة اقتصادية على مستوى العالم متجاوزة بريطانيا وفرنسا في عام 2019، وقد تحولت الهند إلى اقتصاديات السوق نائية بنفسها عن السياسات الأوتوقراطية التي كانت تنتهجها سابقا في الاقتصاد. 

 

وقد أشار تقرير نشره موقع فاننشيال إكسبريس، إلى أن حجم الاقتصاد الهندي بلغ 2.94 تريليون دولار مما يضعها في المركز الخامس على مستوى العالم من حيث قوة الاقتصاد. ويذكر أن حجم الناتج المحلي الإجمالي الهندي 10.51 تريليون دولار متجاوزة اليابان وألمانيا. 

 

وقد وصلت الهند لذلك بإتباع سياسات مهمة لعملية تحرير الاقتصاد الهندي منذ تسعينيات القرن الماضي والتي شملت تقليص السيطرة على التجارة الأجنبية والاستثمار وخصخصة الشركات المملوكة للدولة، وهذه الإجراءات ساعدت في تسريع نمو الاقتصاد الهندي. ويعد قطاع الخدمات الهندي هو الأسرع نموا في العالم حيث يمثل 60 في المائة من اقتصاد البلاد ويستوعب 28 في المائة من العمالة. وقطاعي الصناعة والزراعة يحتلان مركزين بارزين في الاقتصاد الهندي.


بعد هذه الأرقام المهمة عن الهند والتي انطلقت من الفقر إلى خامس اقتصاد عالمي، وظروفها تتشابه كثيرا مع مصر، ألا يجدر بنا أن نتعرف على تجربتها عن قرب ونحاول نقلها إلينا؟ هذا ما يقوم به الرئيس السيسي في تفكير خارج الصندوق بالفعل، ومحاولة مميزة جدا للنهوض بالاقتصاد المصري..

 

 فزيارة الرئيس السيسي للهند  من أفضل وأنجح الزيارات التى تمت خلال الفترات الأخيرة، حيث تنم عن وعى القيادة المصرية التى أخذت الاتجاه الصحيح وتوجهت نحو دولة من أكبر اقتصادات العالم. فالاقتصاد الهندى واعد بالنسبة لمصر، فالهند هى ثانى دولة من حيث عدد السكان فى العالم وهو ما يمثل فرصة لمصر لفتح أسواق جديدة هناك بجانب جذب السياح الهنود لمصر، وتأمين هذا الاتجاه الشرقى من العالم، والانفتاح على تلك القوى الاقتصادية، وزيادة التصدير والتركيز على الميزان التجارى بيننا وبينهم سيعود على مصر بمكاسب اقتصادية كبيرة. 

 

وهذه الجولات الخارجية تسهم في زيادة حجم الاستثمارات خاصة مع ما نمتلكه من جميع المقومات التي يمكن من خلالها إحداث نقلة نوعية فى شكل العلاقات الاقتصادية مع منطقة آسيا، فيما يتعلق بجذب العديد من الشركات والصناعات، وهو ما يدعم  خطة المنطقة الاقتصادية لقناة السويس في استقطاب المزيد من الاستثمارات وتلبية مستهدفات توطين صناعات استراتيجية بما يحولها لمركز رئيسي للتجارة العالمية.

فرص جديدة للاستثمار


وذلك الأمر سيكون له مردوده الإيجابي في زيادة فرص العمل وتعظيم قدراتنا الإنتاجية، مع توافر العديد من المجالات والفرص الاستثمارية الواعدة في مصر، لاسيما في قطاعات البنية التحتية، والنقل والطاقة الجديدة والهيدروجين الأخضر، وإنتاج الطاقة الكهربائية، والصناعات الدوائية وصناعة السيارات..

 

 فضلا عن استعراض ما نقدمه من حزم اقتصادية متنامية والاستفادة من موقع مصر الاستراتيجي كمركز للإنتاج وإعادة تصدير المنتجات إلى مختلف دول العالم، التي تربطنا بالعديد منها اتفاقيات للتجارة الحرة، لاسيما في المنطقتين العربية والإفريقية، بما يعزز من التكامل الصناعي بتأسيس شراكات ناجحة تقوم على توطين الصناعات، ودفع العلاقات الاقتصادية والتجارية إلى آفاق أرحب تتلاقى مع طموحات الشعوب.

 

الرئيس السيسي إذا يقوم بما يسمى "الدبلوماسية الرئاسية الاقتصادية" والتي تسعى لخلق مناخ من العلاقات الدبلوماسية والسياسية الحميمة؛ بما يرتقي بدور مصر عالميا مع مزاوجة ذلك بالأداء الاقتصادي الذي يستهدف تبادل اقتصادي وتجاري وتصنيعي على أعلى مستوى يعود بالخير على البلدين، فالهند تتمتع بقطاع استثماري خارجي قوي جدا، لا سيما في الأمن السيبراني والطاقة المتجددة وعلوم الفضاء وتهتم بالبحث العلمي والموارد البشرية وتتشارك مع مصر في تبادل السلع الإستراتيجية، وكانت سوقا بديل للحصول على القمح فور اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية. 

 

وهناك تنويع في التبادل التجاري بين القاهرة ونيودلهي، من المتوقع أن يكون هناك تضاعف لحجم التبادل التجاري والاستثماري خلال السنوات المقبلة. والهند سوف تخطط لإنشاء منطقة هندية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وستكون بعيدا عن البيروقراطية.


 وتأتي زيارة أرمينيا وأذربيجان الأولى من نوعها لرئيس مصري، وشهدت تلك التحركات لقاءات عكست تعزيز التبادل التجاري وتوطيد الشراكات الاقتصادية بين البلدين، بالاجتماع مع كبار رموز الاقتصاد ورجال الأعمال ورؤساء كبرى الشركات واستعراض ما تمتلكه مصر من فرص استثمارية واعدة..

 

 

كما تضمنت المباحثات قضايا الشرق الأوسط والأزمة الروسية ومكافحة الإرهاب. كما أن زيارة السيسي إلى أذربيجان، هامة جدا رغم كونها ليست في قوة الهند، وإنما الزيارة لها أبعاد جديدة في الاستراتيجية السياسية والاقتصادية للدولة المصرية. وهناك تعاون في مجال البنية التحتية بين مصر وأذربيجان، وهناك تركيز على مضاعفة التبادل التجاري بين البلدين، سيفتح أسواق جديدة للمنتجات الدوائية المصرية في أذربيجان.

الجريدة الرسمية