ولا تظلموهم باختلاف!
أحسب أنى، كإنسان من المحظوظين اللينة قلوبهم، وأحسب أن الله العلى القدير يمنح أصحاب الهمم لمن في قلوبهم رحمة، والحمد لله منحنى الله ابنى شريف، نعمة وبركة وبهجة، ولم يكن مشوار التربية والتنشئة سهلا ولا ميسرا، بل هو تعب ومتابعة وأمراض وعلاج ونكسات، وشقاوة زائدة، وهو يكبر أمام عينيك ببطء.
تعوزه القدرة على النطق الكامل للحروف، بينما يضج وجهه بالمعاني الرائعة، التى يتعثر فيها لسانه، وتعاقده الحروف، فتتألم وتتنهد، غير أن إيمانك وتسليمك بقدر الله المكتوب سرعان ما يجذبك بقوة ليعيدك إلى رشدك، فتردد شاكرا أن الحمد لله إن أعطاني ابنا يسندني يوم الحساب، إذ لم أفرط، ولا تخليت ولا أجرؤ.
وأمس تابعت النسخة الرابعة من الاحتفالية السنوية تحت شعار "قادرون باختلاف، لهم مكان"، وأفهم بالطبع تأثر الرئيس، وإحساسه المفرط بأبنائنا المختلفين بقدراتهم، وأفهم أن الدولة توليهم اهتماما بالغا، أتمنى ألا ينقطع وألا يفتر، وأفهم أن تربية طفل من أصحاب الهمم هو مجهود عائلة بحالها، ليس الأم والأب وحدهما، بل العائلة كاملة بدون أدنى مبالغة.
معظم الذين تحدثوا من أبنائنا المختلفين أفاضوا قدر كلماتهم في شكر الأم التي رعت وربت وصبرت ولم تهرب! طفرت الدموع من عيني، إذ تكلم هؤلاء عن أمهاتهم اللائي تحملن ليالى وأياما وسنين طويلة.
معاش أصحاب الهمم
وكما أن هناك آباء أوغادا، رموا أولادهم المرضى، وفروا هربا من مسئولياتهم تجاه أسرهم، حتى السليمة صحيا وخلقيا، فإن هناك أمهات هجرن وفررن وتركن، ورمين! أعيش نعمة حب ابني لي، فمن قلبه يحتضنني، ومن قلبه يدعو لي بحروف مكسرة، أنا المتدفق نطقا وقلما، لكنها إرادة الله.
وبقدر السعادة التى منحها الحضور السنوى لرئيس الجمهورية لاحتفالية لهذه الفئة المختلفة بقدراتها، وبقدر المزايا التى أعلنت، وهي عضويات وتسهيلات وخصومات سفر وغيرها، إلا أنني أتساءل هل كل هذا الحب والاهتمام الرسمي يمكن اختزاله في ٤٥٠ جنيها شهريا لصاحب الإعاقة الكاملة؟ سأعيد ذكر الرقم، نعم ٤٥٠ جنيها تكافل وكرامة!
هل يمكن حفظ كرامة مواطن مختلف، بـ٤٥٠ جنيها شهريا؟ هل هذه القروش الزهيدة تعتبر تكافلا؟ ثم هناك عقبة إدارية لعينة أرجو أن تجد لها حلا وزيرة التضامن، وهي أم فاضلة، السيدة نيفين القباج، أن صرف هذا المعاش الهزيل لا يكون إلا لمن كان بين أبويه، يعني لا طلاق بينهما! فماذا لو كان الراعي أحدهما فقط ؟
المبلغ لا يستحق هذه الإهانة الكاملة، فإن كنتم تريدون حفظ كرامة مواطن، جاء إلى الدنيا، لا يعرف له فيها حقوق، بل مسالم مستسلم موجود، فأنفقوا عليه كما ينبغي وسجلوا له معاشا يكفيه ويعين من يعوضونه.. كيف سيعيش هذا الطفل أو الشاب بعد وفاة من يكفله؟
أرجو إعادة النظر، في معاش أصحاب الهمم، لتتم فرحتهم وفرحة من يكفلونهم، وينفقون عليهم ويتحملون مسئولياتهم، ودموع الرئيس أمس جواز مرور سريع جدا لتشريع أو قرار رسمي ينهي مهزلة الأربعمائة وخمسين جنيها!
لا تظلموهم باختلاف.
