رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

قوة التطوع ومتعة الانتماء.. مصر بخير

كثيرا ما نسمع عبارة “أن ثورة 25 يناير قد  أخرجت من المصريين أسوأ ما فيهم” أو أنها أظهرت الوجه القبيح للإنسان المصري.. وسواء اتفقنا مع هذا العبارات أم لم نتفق فلابد أن نعترف بأننا لدينا أزمة قوية في الانتماء وعلى الرغم من ذلك لدينا رغبة قوية في التطوع والبناء.. 

 

وإذا كان الانتماء دافعا غريزيا، فإن سياسات الاستبعاد الاجتماعي وغلق منافذ التطوع في وجه المواطنين وتضييق سبل المشاركة في صناعة القرار وعمليات التأسيس والبناء عادة ما تدفع الشباب  للانتماء إلى جماعات غير مشروعة؛ ربما تنجح ببراعة فى تحويلهم إلى مواطنين ضد المجتمع.. مما يجعل من فتح أفاق التطوع والمشاركة ضرورة حتمية للاستقرار والبناء ومناهضة التطرف والارهاب بكل أشكاله..


فمحور الأزمة لدى المواطن غالبا ما تتعلق بعلاقته بالسلطة وربما بثقافة المجتمع الذى يعيش فيه.. فالإنسان بطبيعته لا يستطيع العيش دون الانتماء لجماعة يشعر فيها بالمساندة والدفء النفسى والأمان الاجتماعي.. ومن ثم فأكبر عقاب للمجرمين هو حرمانهم من الاستمتاع بالحياة الاجتماعية. فالإنسان لا يستطيع أن يجد للحياة معنى إلا إذا أعطى من نفسه للمجتمع الذى يعيش فيه!

الانتماء والمتعة


وإذا كانت الحياة في وطن والانتماء إليه تتطلب من الوطن أن يوفر لأبنائه ثلاثة مزايا هى القوة والكرامة والأمان.. فلا غرابة أن يشعر الأفراد بالانتماء للوطن الذى يمنحهم القوة ولا يشعرون فيه بالضعف وقلة الحيلة والاستهانة بكرامتهم. والتى غالبا ما تكون جميعها نتائج حتمية للفساد وعدم انفاذ القانون.


ولعل هذه هى وجهة نظر عالم النفس أدلر، أما فرويد صاحب مدرسة التحليل النفسي فيرى أن الشعور باللذة أو المتعة هو المحرك الأساسي للسلوك البشرى، وأن الانسان عادة ما ينتمي للمكان الذى يتلذذ فيه، ويشعر بأن الانتماء إليه نعمة والحياة فيه متعة.. فعادة لا ينتمي الانسان إلى وطن يُكدس أرصدة الدموع فى أحداق أبناءه!


ورغم منطقية أن يكون الشعور بالسعادة والقوة هو المحدد الأساسي للشعور بالانتماء، إلا أن فرانكلين يرى أن الإنسان عادة ما ينتمى للوطن الذى يشعره بأن لحياته فيه معنى! ويرى أن الشعور بالمتعة لا يدفع للانتماء بل ربما تكون المتعة هى النتيجة الطبيعية للانتماء.. وأن القوة ليست هى الغاية من الشعور بالانتماء بل هى الوسيلة إليه.. 

 

ومن ثم فإن المجتمع يفقد استقراره، ويتحول إلى الحالة المَرَضِيَة عندما تصبح الغلبة فى الانتماء إليه للقوة والمتعة.. وإذا كان هناك أفراد لا يشعرون بأنهم يعملون إلا إذا كان للعمل مقابل مادى، فإنه لا يكون لحياة الانسان معنىً إلا إذا تحرر من الاحتباس فى ذاته إلى الإنعتاق خارجها. وبقدر ما يمنحه للمجتمع دون مقابل!

أهمية العمل التطوعي


وغالبا ما يتحقق ذلك من خلال رغبة الإنسان في التطوع لخدمة المجتمع الذى يعيش فيه.. ومن ثم فإن فتح المجال للتطوع هو حق أصيل من حقوق الانسان التى يجب أن تكفلها الدولة لكل مواطن؛ كى يعبر من خلاله عن مشاعر الانتماء التى بداخله؛ وذلك بتفاعله مع قضايا المجتمع.. فيتحول المجتمع  تدريجيًا إلى كحل بعين كل مواطن، أو كائن يعيش بداخله!  

 

ولهذا فإن فرض قيود على التطوع يَعَد محاصرة لحرية الضمير وانتهاكًا متعمدًا لحقوق الانسان وتدميرا شديدًا لمشاعر الانتماء.. والذى قد يتسبب فى خلق أزمات وكوارث، ربما لا تقوى الدول نفسها على مواجهتها! ومخطئ من يتصور أن دخل الفرد المعيار الأهم في تحديد مشاعر الانتماء؛ فأكثر الدول تحضرًا ومدنية هى أكثرها فى معدلات التطوع. 

 

وأن الانضمام إلى المنظمات التطوعية في أمريكا لا يقل كثيرا عن معدلات  التطوع فى الجيوش العربية.. فرغم أن أمريكا بلد يقدس الرأسمالية إلا أنه من كل 4 أشخاص شخص يُفني جزءًا من حياته فى التطوع. حتى تجاوز مجموع ساعات العمل التطوعى الـ 8 بليون ساعة.  

 

كما تجاوزت الموازنة السنوية للجمعيات التطوعية الـ 1.5 تريليون دولار.. أى ما يعادل 10 % من الدخل القومى الأمريكى. ورغم أنهم متهمون بالعلمانية إلا أن المنظمات الدينية تحصل على ما يزيد على 35% من مساهمة المواطنين فى النفع العام!

 
وتشهد مصر انفراجة واسعة في مجال التطوع وربطه بالاستراتيجية القومية لحقوق الانسان. وتركت الأبواب أمام المواطنين مفتوحة على مصراعيها للتطوع في خدمة الوطن.. وأصبح المتطوعون شركاء حقيقيون في كافة برامج التنمية التى تنفذها الدولة، وسواء كان المتطوعون فرادى أو منخرطين في منظمات تطوعية منحها الدستور والقانون بونًا واسعًا من الحرية.. ناهيك عن تعدد مجالات التطوع التى ربما تجاوزت الـ 17 قطاع تمثل تقريبًا كافة قطاعات التنمية الشاملة..

 
ولا أكون مبالغًا اليوم إذا قلت بأن مصر أصبحت الدولة القوية التى يشعر أبنائها داخليًا وخارجيًا بالقوة من خلال جملة النجاحات التى حققتها القيادة السياسية عبر السنوات الماضية. والتي استعادت فيها قوة الدولة الاقليمية ذات السيادة والصوت المسموع عربيًا وافريقيًا ودوليًا.. 

 

 

ومن خلال الطفرة التى حدثت في ملف الإسكان وشبكة الطرق والمرافق وحركة النقل وبرامج الاستدامة البيئية توافرت سبل الاستمتاع بالحياة وزادت مشاعر الانتماء للوطن.. ولا غرابة أن نسمع أحد شبابنا المغتربين يقول نعمل في الخارج لجلب الأموال لنستمتع بها في مصر.

 Sopicce2@yahoo.com

Advertisements
الجريدة الرسمية