رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

مصارحة من أجل مصر

على مشارف أيام عصيبة أقف متأملا ما كنا عليه وما نحن ذاهبون إليه، وهل كان بالإمكان أفضل مما كان؟ وهل هناك وقت فسحة نلتقط فيها الأنفاس ونغير الاتجاه؟ أظن -وقد ظن غيرى بما ظننت- أن ما قلناه سابقا حول أولويات العمل الوطنى لم يضل الطريق كله ولم يصبه كله، فالأساس هو الإنسان، وما يمكن أن يطوره ويجعله جزءا من التجربة.


وضعنا الجماهير فى أم معاركنا مع عودة الأمن، فكان الناس كرماء وأصحاب فضل فى نجاح تجربتنا الأمنية ضد الإرهاب، فقدم المواطن ابنه ونفسه فداءً لوطن يستحق الفداء. ووضعنا الشعب فى عمق المشاركة فى معركة البناء، فتحمل تبعاته كما لم يتحمله بشر غيرنا فى الكرة الأرضية، وقد ضحى المصرى باستقراره الاقتصادى فى سبيل استقرار الوطن، وكان المصرى محقًّا.


استبعدنا الناس من أجندة التطوير، فسلمنا راية التعليم إلى تجارب مستوردة وعقيمة فكان ما كان، وسنظل نعانى من سطحية ما قررناه؛ لأننا باختصار لجأنا إلى سُذَّج القوم وأهملنا خبرات لدينا منها الكثير. وفى ملف الصحة، خطونا سريعا نحو خلو مصر من أمراض الكبد الفتاكة ونجحنا فاسترحنا، وظننا أن الأمر انتهى، فصار الأمر إلى غير ما نرضى ولا نهوى.. ضللنا الطريق ولا زلنا فى طريق الغى ماضون.


فى الاقتصاد تصورنا أن بناء العمارات والكبارى والطرق هو الغاية والوسيلة.. شققنا طرقا وعبدنا محاور وأنشأنا من الكبارى ما لا يقدر عليه أمثالنا من دول العالم النائم، فهل وصلنا إلى المراد؟!


فى ملف الصناعة كنا نسير عكس ما يسير الناس فى كل بلاد العالم الراغبة فى الانتقال إلى مساحات أكثر رحابة، وبدا للعامة والخاصة أن البلد لا يحب الصناعة ولا يرغب فيها، بل يطارد أهلها شر مطاردة، ففقدنا بذلك واحدًا من مصادر إنتاج العملة الصعبة.. ولا يزال الأمر قائمًا على ذات الوضع؛ تجميد ملف الصناعة.

أزمة خانقة


فى ملف الزراعة، واجه الفلاح وحيدا كل معارك العالم ضده، ففى دول العالم الرأسمالى يدعمون الفلاح، ونحن هنا لم نتركه حتى يعارك معركتنا، فكبلناه بكل صنوف الأذى والتعطيل، ففقدنا مصدرا آخر من مصادر الأمن الغذائى، ومصدرًا من مصادر إنتاج الدولار!


فى ملف القطاع الخاص اختزلناه فى شركات المقاولات وشركات رصف الطرق وتجمد نشاط الآخرين حتى ضج العالم يطالبنا بفتح المجال أمامه ونحن بين الفتح والغلق مترددون. نجحنا فى ملف البنية التحتية أيما نجاح، وسقطنا بكامل إرادتنا فيما يمكن أن يبنى الإنسان ويجعله أساس التجربة ومصدر إلهامها وقوتها واستمرارها وبقائها.


وفى ملف الإعلام أردنا أن تكون لنا تجربة خاصة تعلى مصلحة الوطن ولا تسمح باختراق أو تدعو لفوضى، فهل فعلنا ذلك؟ إن ما فعلناه ببساطة هو صنع محتوى لا يراه غيرنا ولا يؤثر حتى فينا. هجر الناس إعلامنا رسميا وحزبيا وخاصا، لأنه لم يجد نفسه فيه، وعلى الطرف الآخر كان هناك من جهز أدواته واستولى على أسماع الناس وأبصارهم، وبث فيها ما يهدم كل ما بنيناه.


على ناصية الزمن أقف كل شهر أو شهرين لأسائل نفسى: كيف سارت بى الحياة وكيف سرت بها؟ وعلى ذات الناصية أسأل غيرى من أصحاب القرار وصناعه: أين أنتم ذاهبون بنا؟! وعلى أمل أقول ويقول غيرى: أليس من العقل الآن أن نسأل أنفسنا عما هو قادم؟ وهل البيت المصرى جاهز الآن لمواجهة طوفان الأزمة الخانقة، والتى أصبحت على مرمى أيام قليلة؟


هل المواطن المصرى لا يزال لديه طاقة صبر وقدرة ووعى بما تحمله الأيام القادمة من قسوة اقتصادية وقسوة مالية وكل صنوف الحصار فى بيته ورزقه وحياته؟ هل نحن آمنون ومطمئنون على تصورات المستقبل القريب؟ وهل لدينا جاهزية فى مواجهة الأيام الأصعب التى تجهز أنيابها للانقضاض علينا وعلى استقرارنا؟

 


تساؤلاتى تحتمل الخطأ وتحتمل الصواب ولكنها مخلصة لوجه الله والوطن.. تساؤلات تدعونا للتأنى قليلا وللشفافية أكثر حتى لا نهدم ما بنيناه، وحتى لا يصبح الوطن فى مواجهة رياح عاتية لن ترحم.. أتصور أننا بحاجة إلى حالة حوار حقيقى، حوار مصارحة ومكاشفة، حوار لا نتبنى فيه مواقف سابقة ولا يحمل بيننا تخوينًا أو تهوينًا أو تهويلًا.. حوار من أجل مصر وحماية مكتسباتها.

Advertisements
الجريدة الرسمية