رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الإمام الأكبر يغرد خارج السرب

وسط موجة الفوضى والحروب التى يتردد صداها فى كل جنبات الأرض يظل الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب واحدا من دعاة الحوار والسلام رغم صعوبة التحرك المقيَّد بكثير من السياسة وقليلٍ من الفهم الإنسانى لفكرة الحوار.
أطلق فضيلة الإمام أحمد الطيب من العاصمة البحرينية الأسبوع الماضى دعوته إلى تبنى حوار سنى شيعى لا يقصد من ورائه إقصاء أو تهميش أو دمج أو رفع مذهب على مذهب.. حقا إنها تغريدة خارج السرب.


لم تكن دعوة الإمام الأكبر أحمد الطيب خالية من التاريخ والأدبيات التى ابتناها الطرفان على مدار عقود بدأت بنداء أطلقه الشيخ محمد تقى القمى من القاهرة، وهو إيرانى، وذلك فى عام ١٩٤٦م. وظهرت بالقاهرة وفى طهران جماعة التقريب بين المذاهب، وانضم إلى تبنى الدعوة عدد وافر من كبار علماء المذهبين، كان من بينهم: الشيخ محمود شلتوت، والشيخ عبد المجيد سليم، والفحام، والشرباصى من كبار رجال الأزهر، ومن علماء الشيعة: الشيخ محمد تقى القمى صاحب الدعوة، ومحمد حسين آل كاشف الغطاء من العراق، والسيد طالب الحسينى مؤسس جمعية آل البيت فى مصر وهو عراقى الجنسية.


وتطورت أدبيات الحوار والتقريب بين المذاهب لترسيخ القواعد المشتركة دون إساءة أو تهميش أو تخوين أو تكفير، ونمت فى الأفق حينها بوادر مصالحات عقائدية بعيدا عن الخلافات التاريخية بين المذاهب وما آلت إليه الأمور فى العالم الإسلامى.

حوار من أجل السلام


ومع نهايات سبعينيات القرن الماضى عصفت بجماعة التقريب رياح عاتية، خصوصا بعد نجاح الثورة الإسلامية فى إيران وظهور ما أطلق عليه المد الشيعى، ومحاولات تصدير الثورة الإيرانية. ولم يكن الدخان السياسى الكثيف وحده هو ما هدد استمرار جماعة التقريب فى ترسيخ دعائم الحوار بين المذاهب الإسلامية المختلفة، وبعد تنامى الحقبة النفطية ظهرت إلى الوجود وسائل إعلام خُصصت للقضاء على الفكرة.


كانت جماعة التقريب بين المذاهب تُصدر مجلة «رسالة الإسلام» التى توقفت مع زيادة المد العدائى وحصار الخلاف السياسى لكل محاولة لإعادة إحيائها. ووسط ركام الحروب المتناثرة هنا وهناك، ووسط حالة العداء التى صاغ مفرداتها رجال السياسة، ظل مجرد الدعوة إلى حوار مغامرة غير محسوبة العواقب وتحتاج إلى قلب شجاع.


والإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب كان لها عندما أطلق دعوته فى منتدى حوار الشرق والغرب بالعاصمة البحرينية المنامة يوم الجمعة الماضي، داعيا إلى اجتماع عاجل يضم علماء من الطرفين لإعادة بناء حوار فعال من أجل السلام والتوافق. ودعوة الطيب تحتاج إلى إرادة فاعلة، ليس على مستوى علماء الدين فقط، وإنما بحاجة أكثر إلى إرادة سياسية للخروج من حالة التجاذبات إلى وصلت إلى حد العداء وربما التكفير.


ونظن أن الفرصة مواتية الآن لنشر ودعم قضية الحوار التى ستفضى يقينا إلى إطفاء نيران يعمل على رفع درجتها تجاذبات إقليمية ودولية لا تريد لمنطقتنا خيرا ولا سلاما. ومما لا شك فيه أن الحوار لن يبدأ من الصفر، حيث أقيمت له دعائم راسخة عكف عليها نخبة من علماء الأمة الإسلامية فى زمن الحوار، ولدينا إصدارات واعية بحجم المشكلة ستكون حتما قواعد هادية لفكرة استعادة الحوار.


الإمام الأكبر أحمد الطيب أطلق دعوته، وعلى الطرف الآخر أن يعلن موقفه ويحدد طريقا ومنهاجا لهذا الحوار الذى انطلق فى وقت يتوق إليه كل محب للسلام ومؤمن بالحوار سبيلا لبناء علاقات يحترم فيه كل طرف معتقد الآخر. ورغم أن فكرة الصراع تتداعى على طاولة الواقع لأن لها أطرافا تتكسب من وراء استمرارها وبقائها، إلا أن الواقع الذى يلقى بظلاله سياسيا واقتصاديا أكثر إلحاحا على كافة الأطراف.

 


لم يعد من المقبول أن نظل حبيسى صراعات تاريخية مضى عليها مئات السنين، ونظل ندور فى فلك العراك والتنابز والخلاف والخسران، ونحن فى الأساس دعاة سلم وأمن ونماء. دعوة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب واحدة من مبادئه التى يدعو لها منذ أن جاء إلى موقعه، وعلى كافة الأطراف الاستجابة لها حتى نتفرغ لبناء مجتمعاتنا بعيدا عن صراع تصاغ معاركه خارج حدودنا.

Advertisements
الجريدة الرسمية