رئيس التحرير
عصام كامل

ما بين صدقي ومدبولي.. الخروج من المأزق الاقتصادي

تمر البلاد حاليا بمأزق اقتصادي حرج، تتشابه أركانه إلى حد كبير مع مأزق الاقتصاد الوطنى ومقومات حياة المواطن المصري في نهاية حقبة الثمانينات وبداية حقبة التسعينات وبداية تنفيذ الدولة لخطة وبرامج الإصلاح الاقتصادي والهيكلي والخروج من مرحلة التعثر المالى التى استمرت طويلا في أعقاب حروب التحرير. 


وإذا كانت أهم ملامح الأزمة الاقتصادية في فترة الثمانينات تتضمن وجود اختلالات مالية حادة في موازنة الدولة تخطى فيها عجز الموازنة نسبة ال ١٠% وارتفعت معها أعباء خدمة الدين العام من أقساط وفوائد لتستهلك نحو ٢٥% من إجمالى حجم الموازنة السنوية، وأيضا تفاقم أزمة العجز في الميزان التجاري نتيجة ضعف حصتنا التصديرية مسبوقة بضعف قدراتنا الانتاجية القاصرة في هذا التوقيت على بعض السلع الزراعية والصناعات النسيجية والهندسية لأسواق الدول المجاورة..

 

وأيضا وجود تحدى كبير على مستوى وجود معدل نمو مرتفع  جدا للزيادة السكانية مقابل انخفاض معدلات النمو الاقتصادي وضعف قدرات القطاعات الاقتصادية الرئيسية على جذب الاستثمارات الأجنبية والوطنية، نتيجة وجود معوقات حادة على مستوى البيئة الاستثمارية أبرزها ارتفاع أسعار الضرائب التى كان سعرها يتجاوز ٤٠% إلى جانب الصعوبات في تحديد الالتزامات الضريبية على المشروعات بوضوح..

 

وأيضا من الأزمات الحادة ضعف وترهل البنية الأساسية والتحتية وترهل المرافق الاساسية في مجالات النقل والمواصلات من طرق وموانئ، وإلى جانب كل ذلك كانت هناك أيضا تحديات ومعوقات بعضها اقتصادية وبعضها الآخر سياسية أدت إلى أحجام مؤسسات التمويل الدولية والاقليمية عن تمويل برامج التنمية التى تبنتها الحكومات السابقة حتى منتصف الثمانينات..

 

ولكل تلك الأسباب وفى مقدمتها عدم وجود رؤية واضحة لديها للتغلب على هذه التحديات الكبيرة وتحمل أسبابها مجتمعيا وسياسيا، حتى جاءت حكومة الدكتور عاطف صدقى يمثلها الاقتصادى الشهير عاطف صدقى، ومحمد الرزاز وزير المالية ويسرى مصطفى وزير الاقتصاد لتضع رؤية شاملة للخروج من المأزق الاقتصادى الخطير..

إصلاح الاقتصاد

 

بدأ العلاج بوضع استراتيجية متوسطة وطويلة المدى للإصلاح المالي وعلاج الاختلافات الحادة في أرقام موازنة الدولة، كانت أهم ملامحها إجراء عمليات إصلاح متواصلة للمنظومة الضريبية وتحقيق معايير الشمول المالى والضبط لبرامج الإنفاق العام وترشيده، وصولا إلى خفض أرقام عجز الموازنة السنوي وأعباء خدمة الديون المحلية والخارجية ليصل خلال سنوات قليلة إلى نسبة عجز بالموازنة كانت تتراوح بين ١% و٣% وأيضا خفض في أعباء وأرقام الدين العام ووضع لها حدا بألا تتجاوز   الديون سواء الحكومية أو تلك المضمونة من الحكومة نسبة ٦٠% من حجم الموازنة العامة..

 

والأهم من ذلك بعد نجاح برامج تطوير البنية الأساسية وتحسين المرافق العامة في مجالات الاتصالات والمواصلات والموانئ، انطلقت الدعوات الحكومية لجذب الاستثمارات الخارجية، وتشجيع القطاع الخاص المحلى في كل المجالات والمعهد بإزالة أى معوقات أمامه، سواء على مستوى التراخيص أو منح الأراضى للمشروعات الجديدة والتوزيعات، وأيضا على مستوى تحقيق معدلات أفضل في المعاملة الضريبية خاصة بعد خفض أسعار الضرائب من ٤٠%  إلى ٢٠%..

 

مما ساعد فى وقت قصير على إضافة نحو ٢٥ ألف مشروع صناعي في المدن الصناعية الجديدة بحسب تقرير إتحاد الصناعات لعام ٢٠٠٠، ولا نغفل الدور السياسي الداعم للبرنامج الاقتصادي إبان تلك الفترة وأهم نجاحاته كانت تحسين العلاقات العربية والنجاح فى مفاوضات نادي باريس للدول الدائرة والفوز بإسقاط ٥٠ % من الديون القديمة مع المفروضة على جدولة الديون الأخرى لسنوات أطول.. 

 

تلك كانت أهم ملامح وانجازات المرحلة الأولى للإصلاح الاقتصادي في بلادنا برؤية قادها الدكتور عاطف صدقى بإلتزام مع معاونية  محمد الرزاز وزير المالية، ويسرى مصطفى وزير الاقتصاد، والأن نحن نمر بمأزق اقتصادي تتشابه أركانه إلى حد كبير مع أزمة الثمانينات سواء في صورة الاختلافات المالية الحادة التى تعانيها موازنة الدولة نتيجة ارتفاع أعباء الديون محلية وخارجية لمستويات غير مسبوقة وصلت بالدين العام إلى نسبة ٩٤% من حجم الايرادات العامة، وبنسبة عجز الموازنة إلى نحو ١٠%..

 

ومعها تراجعت حجم التدفقات الاستثمارية خاصة بالقطاع الانتاجي بل وارتفعت معدلات هروب الاستثمارات الأجنبية في مجالات الخدمات المالية أو ما يطلق عليه الأموال الساخنة منذ أحداث ثورة يناير وحتى الآن، ومعها تراجعت تدفقات النقد الأجنبي من الاستثمار والسياحة والتصدير، والأهم في تقديرى سيطرة حالة من التردد لدى المستثمر المحلى للدخول في استثمارات جديدة أو التوسع في الاستثمارات القائمة..

 

 

إلى جانب تباطئ الحكومة إلى حد كبير في معاونة القطاع الصناعي المحلي على الخروج من أزمته التى تعرض لها خلال أحداث يناير وتسببت فى تعطيل خطوط الانتاج في نحو ١٧ ألف منشأة من بين تعطل كامل أو جزئي.. ومن ملحقات الأزمة الحالية أيضا إستمرار الارتفاع الحاد في الزيادة السكانية وانخفاض مردود الإصلاحات الضريبية والتنازل عن استكمال ما تم فيها فى السابق مما أدى إلى تراجع معدلات النمو فى الحصيلة بمشاركة من كل العوامل السابقة.. والسؤال: ماذا انت فاعل يا دكتور مدبولى مع كل هذه التحديات وما هى رؤيتك لتخطى هذه الأزمات؟  وفى تقديرى ليس بالبناء وحده سنتجاوز أزماتنا.. الرؤية الشاملة أولا.. والله الموفق.

الجريدة الرسمية