رئيس التحرير
عصام كامل

ثلاثة وجوه في وليمة الخيال

في الحكايات وجوه، وللحكايات وجوه.. كل منا يقرأ بعينه لكن العبرة بالخيال.. الخيال، أعظم من مخرجي هوليوود، وهو أمهر مهندس ديكور، وأكثر موهبة من ليوناردو دافينشي  في رسم ملامح أبطال القصة.. وهذه وجوه قُدت من حكاياتها، وليس عليك إلا أن تدخلها بوتقة خيالك وتشكلها على هواك.

 

رجل من نحاس

حامد، شيخ القرية، تخطى الخمسين بسنوات خمس، بشرته نحاسية، تحسبه من بعيد أسمر، وحين تقترب منه، يتبين لك بياض وجهه الغارق في حمرة نحاسية، سمين، في غير ترهل، ممشوق. نظرته حادة، لم يضبط يوما وهو يتبسم. يقولون إنه كان فتى ضحوكا، مرحا، لكنه طلق الضحك والتبسم، حين اختاره جده، عبدالحميد، الشيخ السابق، ليكون خليفته، رغم صغر سنه، وآخرين كانوا أحق منه بالمنصب، وعلى رأسهم سلطان العصايمي. ترك حامد دراسته في الأسبوع الأول له بكلية الآداب ليصبح شيخًا للبلدة، كي يريح جده في نومته.

 

الناسك الفاجر

الشيخ عودة أقرب إلى ناسك فاجر. يزرع البانجو ويحرم علي تدخينه. يتاجر في السلاح ومستعد لأن يدفع عمره ثمنا لحقن دماء طفل رضيع. لديه الكثير ويزهده. يستر جسده طوال العام في ثوبين خشنين. لا يضيع فرضا. يصلى خمسا في اليوم، ويقيم الليل بين منحنيات اجساد زوجاته الأربع. عاشق للجنس بالحلال: تزوج الاولى دون أن يرى وجهها، أطفأ بنور محياها نار شهوته الوليدة، وانجب منها ابنته الكبرى، سعيدة. والثانية بثت فيه روح جديدة. والثالثة تزوجها وفاء لصديقه الذى مات عنها. 

 

أما الرابعة فأوقد بها جمرة شهوته المستترة خلف رماد العفة، وانجبت له سلمى وابنة أخرى، راوية. والمال عند الشيخ عودة مثل الطعام، يأخذ منه قدر حاجته ويفيض بمعظمه على رجاله ونساءه. جلبابه مثل كفن، بلا جيوب، لا يحتفظ بنقود. يقول أن العمر فان، وليس للمرء إلا ما أنفق.

 

حسناء وخراط البنات

حسناء، لها من اسمها نصيب وفير، تقول البلدة عنها: خرطها خراط البنات ومات، في مثل عمري، بيضاء مثل الثلج، عيناها زرقاوان، ورثتهما عن جدتها، وجهها مستدير، مثل القمر، أنفها دقيق لكنه ناتئ بشموخ. شفتاها ممتلئتان، حمرتهما لامعة، إذا تبسمت كشفت عن صفين من اللؤلؤ، وخديها متوردان. شعرها في لون النحاس، ناعم، طويل، يصل حتى منبت مؤخرتها، جسدها ملفوف، لا نحيفة ولا ممتلئة، ونهداها بارزان وكأنهما ثمرتي رمان. بجسدها انحناءات ومرتفعات، تسحر ألباب شيوخ البلدة، قبل مراهقيها.

 

 

زوج سعدية العايقة

بيت سعدية العايقة، يكاد لا يفرغ من الزبائن، من طالبي المتعة الحرام. وعامر أهم زبون لديها. حين يشرفها بالزيارة، يستقبله زوجها باسما. يصافحه، ويخرج. ثم يعود مسرعًا، حاملا ثلاثة زجاجات بيرة باردة، وزجاجة كينا. يأخذ من حامد قطعة حشيش كبيرة، يعضها بأسنانه، ويكورها صانعا كرات دقيقة، يدسها بين الدخان، ويضعهما داخل ورق أبيض شديد الرقة، يسمى بفرة، ويلف الورقة، ويلصقها بتمرير مقدمة لسانه على طرف الورقة، ليصنع سيجارة، ثم أخرى. يشعل إحداها ويأخذ منها نفسا، قبل أن يناولها لعامر، وابتسامة مخزية ترتسم على وجهه. بعدها يسرع إلى خارج المنزل، ولا يعود إلا في الصباح، متنازلا لعامر عن حقوقه كرجل في بيته.

الجريدة الرسمية