رئيس التحرير
عصام كامل

الرحمن فاسأل به خبيرا (٣)

جمع الحق سبحانه وتعالى كل المراسم والسبل التي يسلك بها المريد الطالب لطريقه عز وجل والمتطلع للوصول إليه والقرب منه سبحانه.. كيف يبدأ وبما يدلل على صدقه في محبته تعالى وطلبه؟.. وبما يرتقي من منزلة المحب إلى منزلة المحبوب ومن منزلة الطالب إلى منزلة المطلوب ومن منزلة المريد إلى منزلة المراد.. وكيف يصل إلى  أن يكون عبدا ربانيا متصفا بصفاته سبحانه وتعالى؟.. كل ذلك جمعه الحق عز وجل في الحديث القدسي الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه والذي يقول فيه سبحانه في مطلعه (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب).. (وما تقرب إلي عبدي بشئ أحب إلى مما إفترضته عليه ولا زال يتقرب إلي عبدي بالنوافل حتى أحبه فإن أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجليه التي يمشي عليها ولئن سألني لأعطينه ولئن إستعاذني لإعيذنه)..

 

 من هذا الحديث نعرف مدى محبة الله تعالى لأولياءه وغيرته عليهم. فمن عاداهم أذنه الله تعالى بالحرب وأهلكه.. ثم رسم سبحانه وتعالى السبيل إلى ولايته والذي يبدأ بالإستقامة بإقامة أركان الدين الخمس والإلتزام بالأوامر والنواهي الإلهية وإقامة أحكامه وحدوده تعالى وعدم تجاوزها. هذه هي البداية وهي مفتاح باب الوصول  وباب المحبة والتي هي الأصل في العلاقة بين العبد وربه تعالى. 

الحب الأعظم

ومن المعلوم أن الأصل في المحبة وفي إتباع الحبيب المصطفى الهادي البشير السراج المنير صلى الله عليه وسلم وعلى آله لقوله تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) فالحب هو الأساس والركن الركين في عبادة الله تعالى وطاعته وإتباع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله. هذا وفي الحقيقة لا يستحق الحب الأعظم إلا الله تعالى. فهو المتفضل علينا بنعمة الخلق والإيجاد. وهو تعالى الممد لنا بالنعم والإمداد فما بنا من نعمة فمن الله تعالى. وهو سبحانه الذي إليه المرجع وبيده الحساب. وكل العباد مفتقرة إليه سبحانه.

 

هذا وعندما يتطلع العبد إلى أن يكن عبدا محبوبا ومقربا من الله تعالى ومن أهل أنسه ومجالسته  يجب عليه الإجتهاد في أعمال النوافل في العبادات والإجتهاد في ذكر الله تعالى وأعمال البر والمعروف والإحسان وكل ما يقرب إلى الله تعالى. ويجب أن يصحب ذلك التسليم لله عز وجل والصبر على البلاء والرضا بالقضاء والشكر على النعماء.. وعليه أن يلزم باب المجاهدة. 

 

مجاهدة هوى النفس وشهواتها ومجاهدة الشيطان بعدم الإستماع إليه وإتباعه. ومجاهدة فتن الدنيا. حتى يتحقق بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ ). هذا ويلزم المريد السالك أن يخلص وجهته لله تعالى وأن يكن من أهل التنزيه في إقباله على ربه غير متطلع للأجر والثواب والجنان وحتى يتحقق ويحقق أمره تعالى بالعبادة الخالصة.. يقول عز وجل: ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ). ويقول سبحانه: (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ). 

 

 

هنا إذا إلتزم السالك الطالب لطريق الله تعالى بما جاء في هذا الحديث يقبل الله تعالى عليه بفضله ورحمته ويشرق على قلبه بالأنوار والعلوم والمعارف ويمنحه الحكمة ويهبه الفهم الرباني يفهم به من الله بالله عن الله وهو ذلك الفهم الذي أشار إليه سبحانه بقوله (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ ). ويخلع عليه عز وجل من وصفه  فيجعله يسمع بسمعه ويبصر ببصره تعالى ويبطش بيده ويكن هو تعالى المحرك له. أي يكن عبدا ربانيا.. عزيزي القارئ نستكمل حديثنا في المقالات التالية بمشيئة الله تعالى..

الجريدة الرسمية