رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

تحول تاريخي وانتقال سلس

ظلت بريطانيا طويلًا إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، ومع التحولات الكبرى بقيت دولة مؤثرة وإن كان من خلف الستار، وخلال عشرات السنين لم يشعر المواطن البريطاني، بتأثير كبير لتراجع الإمبراطورية العظمى، بفضل حكمة وحنكة الملكة اليزابيث الثانية وقدرتها الفذة على التكيف مع التحولات وتمريرها بهدوء واقتدار دون إحداث هزات أو ترددات تنغص حياة الشعب، وينطبق الأمر نفسه على دول الكومنولث، التي تتمتع بالسيادة بعد إنهاء الاستعمار البريطاني لها، لكنها تتوحد سياسيًا تحت رئاسة الملكة اليزابيث، ومن فرط تأثير الملكة، قرر رؤساء حكومات الكومنولث أن يكون وريث العرش الأمير تشارلز، رئيسا للكومنولث خلفًا لوالدته.

 

احتفظت الملكة إليزابيث، بشعبية طاغية واحترام كبير خلال حكمها الممتد 70 عامًا، تجلى في مشاركة حشود شعبية في الاحتفال بـ اليوبيل البلاتيني لحكمها، تعبيرا عن وفائه وتقديره لها، إذ تمكنت من الاحتفاظ بالشعبية الكبيرة، لحرصها منذ اعتلائها العرش العام 1952، أن تكون شؤون حياتها معلنة بكل ما فيها من انتصار وانكسار وحتى فضائح أبنائها وأسرتها كاملة.

 

حضرت الملكة إليزابيث، الاحتفال ولوحت من الشرفة مبتسمة لعشرات الآلاف ممن احتشدوا خارج قصر بكنغهام ابتهاجًا باليوبيل البلاتيني لجلوس الملكة على العرش، وردوا على تحيتها بالتلويح بالأعلام، كذلك فعل مئات الآلاف في شوارع لندن، التي شهدت عرضا عسكريا مهيبا وعروض الضوء تكريما للملكة، التي استعانت بعصا للمشي وارتدت زيا أنيقًا ظهرت به في صورة رسمية مع ابنها وريث العرش الأمير تشارلز (73 عامًا) وأفراد بارزون من الأسرة الملكية في شرفة القصر.

 

انتقال سلس للسلطة

 

أصدرت الملكة إليزابيث بيانًا رافق الاحتفالات، شكرت فيه "من شارك في التجمعات والأسر والجيران والأصدقاء احتفالًا بيوبيلي البلاتيني سواء في المملكة المتحدة أو أنحاء الكومنولث.. مازالت المشاعر الطيبة التي ألمسها تمثل لي حافزا، وأرجو أن تتيح الأيام المقبلة فرصة للتأمل في كل ما تم إنجازه على مدى الأعوام السبعين الماضية ونحن نتطلع للمستقبل بثقة وحماسة".

 

تميزت الاحتفالات بالرقي البريطاني وبساطة لا تخلو من السحر، لإظهار مدى الامتنان ل الملكة إليزابيث على كل ما قدمته خلال 70 عامًا، ورغم توليها العرش وهي في العشرينات من عمرها، واكبت التغيرات العالمية بثقة وتكيفت بسلاسة مع استقلال الدول التي تستعمرها بريطانيا لتصبح ملكة عظيمة ولازالت، رغم السيطرة الأميركية بداية من العدوان الثلاثي على مصر، حيث ظهرت سطوة الرئيس الأميركي دوايت ايزنهاور، الغاضب من شن العدوان دون إبلاغه، وبعدها تراجعت بريطانيا من صدارة العالم إلى ظل أميركا، وإن احتفظت بالتخطيط المحكم لكل ما يجري عالميًا رغم تصدر الولايات المتحدة المشهد.

 

حافظت الملكة اليزابيث، على التقاليد العريقة لبريطانيا ونكهتها الخاصة، وعززت وحدة الشعب وصموده في ظل حروب عدة خاضتها، إلى أن حققت أرقامًا قياسية تليق بعظمتها وتواضعها وثقافتها الرفيعة، فقد احتلت المرتبة الثانية بقائمة أكثر الملوك حكما في التاريخ، بعدما تفوقت على ملك تايلند، بوميبون أدولياديتا (راما الرابع) الذي حكم بين عامي 1927 و2016، أي 70 عامًا و126 يومًا، لتصبح الملكة البريطانية (96 عامًا) على بعد أقل من عامين من الرقم القياسي المطلق، حيث يتصدر المرتبة الأولى الملك الفرنسي لويس الرابع عشر (1638- 1715)، الذي حكم 72 عامًا و110 أيام.
وتفوقت إليزابيث الثانية على الرقم القياسي للملكة فيكتوريا (1819-1901) من حيث طول وجودها على العرش. كما تعد الملكة البريطانية حاليًا أكبر حاكم دولة سنًا وأطول الملوك سنًا بين النساء.

 

خلال سنوات حكمها زارت الملكة إليزابيث الثانية، أكثر من 100 دولة وشاركت في أكثر من 21 ألف فعالية، وأعطت موافقتها الملكية لنحو 4 آلاف قانون واستقبلت أكثر من 112 زعيمًا عالميًا، كما شهدت استبدال 14 رئيسًا للوزراء في بريطانيا، والعدد نفسه بالنسبة لرؤساء الولايات المتحدة.

 

تزايدت علامات العمر على الملكة إليزابيث، التي تعاني مشكلات الحركة، وتقلصت مشاركاتها الرسمية، ما جعلها تفكر في انتقال سلس وتدريجي للسلطة، على أن تظل حاضرة في المشهد وتتولى زمام الأمور الكبرى، بينما ينوب عنها وريث العرش الأمير تشارلز (73 عاما) ونجله الأكبر الأمير وليام (39 عاما) في مهام كثيرة.

 

 

أدرك الجميع أخيرًا لحظة تاريخية ملكية، حين ألقى الأمير تشارلز الخطاب التقليدي لجلسة افتتاح البرلمان البريطاني، بعدما تغيبت والدته الملكة إليزابيث بناء على نصيحة أطبائها، وأثبتت الترتيبات المرافقة للجلسة أن انتقال السلطة الملكية يجري بهدوء، حيث وصل ولي العهد الأمير تشارلز إلى البرلمان على وقع النشيد الوطني، ثم تلا نيابة عن الملكة، خطابًا يحدد برنامج عمل الحكومة، وجلس تشارلز، الذي ارتدى لباسًا ملكيًا رسميًا، على عرش أصغر، وإلى جانبه زوجته كاميلا (74 عامًا)، وابنه الأكبر الأمير ويليام (39 عامًا)، الذي يحضر للمرة الأولى، في دلالة أخرى على توارث الأجيال، بينما بقي العرش الكبير الذي تلقي منه الملكة إليزابيث خطابها، فارغًا.

Advertisements
الجريدة الرسمية