رئيس التحرير
عصام كامل

جمال علام ومنطق أم اللَّالِّى!

لا أعرف من هي أم اللَّالِّى غير أني أعرف أن إطلاق اسمها إنما يوحي بشيء من الفوضى، لذا يقال لأمر غير منطقي عند أم اللَّالِّى، وهو ما ينطبق على مسألة إقالة إيهاب جلال مدرب المنتخب الوطني.
نمنا ليلًا ولدينا مدرب اسمه إيهاب جلال، واستيقظنا صباحًا وليس لدينا مدرب اسمه إيهاب جلال.. رئيس اتحاد الكرة أقال المدرب بليل، ودون أسباب منطقية.


وقد يرى البعض، وأنا منهم، أن إيهاب جلال لم يكن هو المناسب للاختيار من أصله، ولكن عملية إقالته تشبه إلى حد كبير إحالة سائق قطار للتحقيق بسبب حادث لا ذنب له فيه لتفادي إقالة رئيس الحكومة مثلًا.


أقول، وأنا أعي ما أقول، إن التعامل مع كارلوس كيروش الذي وصلنا معه إلى نتائج إيجابية بقماشة رديئة من اللاعبين كان يمكن أن نطلق عليه ذات المصطلح عند أم اللَّالِّى. يدهشني أيضًا أن الست أم اللَّالِّى تستحق العيش بيننا في استقرار ما دام التعامل مع الأمور الجدية والمهمة يجري على هذا النحو الفوضوي.


الأصل في القضية أن لدينا اتحاد كرة جاء إلى العلن بطريقة غامضة وسرية وفوقية، وذلك تحت شعار تعليمات الأجهزة، وحدود يقيني أن هناك من استطاعوا النفاذ إلي العمق تحت نفس الشعار دون أن يكون للأجهزة دور أو يد في الموضوع.


في نهايات عصر مبارك كان من أراد النفاذ إلى عمق الملفات والتصرف فيها بشيء من الفوضوية يفعل ما فعله صاحب اتحاد الكرة، ففي انتخابات البرلمان الأخيرة في عصره الميمون قيل إن أمن الدولة يقف بشدة وراء هذا التزوير المدهش. وأثبتت الأيام أن جماعة من هواة السياسة الجدد كانوا هم من فعلوا هذا، ووصلوا بمصر إلى حالة عدم استقرار شاذة أدت في النهاية إلى ثورة الجماهير ضد الحاكم والأمن والدولة نفسها.

 

استقالة اتحاد الكرة

الطريقة التي جاء بها اتحاد الكرة جرت تحت شعار العلبة دي فيها إيه؟، وفرض علينا أن نردد كالدهماء: فيها فيل كبير. فلا العلبة كان فيها فيل، ولا المنطق يصح بأن يكون فيها فيل. وسريان الأمور على هذا النحو ينهش في جماهيرية النظام، خصوصًا لو جرت الأمور دون تدخل عقلاء يقفون حائلًا دون اللامنطق ودون هذا العبث المتراكم ضد فكرة الاستقرار.


كان الأولى أن يستقيل اتحاد الكرة الذى جاء بطريقة شاذة واختار مدربًا بطريقة عبثية وفرض وجهة نظره على الجميع.. على المنظومة وعلى الأندية وعلى الجماهير. ومشكلة الكورة في مصر وفي غيرها أن الجماهير في الأصل نقاد، وأن المائة مليون مصري يمكنهم تدريب المنتخب واختيار عناصره، وربما الفوز بالبطولات.
 

هذا يعني أنك تمارس العبث في محيط يدركه الجميع، ويعلم تفاصيله الجميع، وهو ما يخلق حالة من الاحتجاج المكتوم، إضافة إلى أن جمهور الكرة يصعب التحكم فيه مثل جمهور السياسة.


في السياسة أحزاب لها برامج وعقول تديرها.. في الكرة أداء شعبي يتشابه عند الأزمات مع سلوك الزحمة، لا يمكن التنبؤ بما تؤول إليه الأمور لأنك أمام حماس منقطع النظير. والغضب الناتج عن العبث الرياضى سريع الدوران والمفعول، والنتيجة لأنك أمام سلوك جماهيري وطني يبحث عن ضالته المنشودة في مسابقة أو مباراة تعلي من قدر وطنه.


الذين فرضوا علينا اتحادًا بطريقة لولبية وغشيمة كان عليهم أن يفرضوا على من جاء بطريقة شاذة أن يغادر وفق المنطق.. منطق فرضه الواقع. أما أن نستيقظ صباحًا على قرار إقالة المدرب فهذا يعني أن الأمور لا تزال تدار بذات الطريقة «طريقة أم اللَّالِّي» ومنهاج أم اللَّالِّي الشاذ لا يمكن فرضه على الجمهور واعتباره طريقة مثلى. 

لا الناس مقتنعة بالسيد جمال علام، ليس لعيب فيه لا سمح الله، ولكن لفرضه بطريقة هو دا اللي عندنا في ملف طالما اعتبرناه المنطقة الوحيدة في حياتنا التي تعبر عن سلاسة في تداول سلمي للسلطة.


ولا الناس مقتنعة بطريقة جمال علام في التعاطي مع أزمة تأخذنا إلى ما هو أبعد من الكرة والرياضة.. إنها أزمة المنطق واحترام عقول الناس والتهاون مع مشاعرهم وفرض الأمر الواقع عليهم.

الجريدة الرسمية