رئيس التحرير
عصام كامل

معركة النفوذ والقوة.. "الناتو" يواصل محاولات تطويق روسيا بتسريع ضم فنلندا والسويد.. والفيتو التركى يهدد خطة الحلف

الناتو
الناتو

معركة نفوذ وقوة.. هذا هو جوهر الصراع بين حلف شمال الأطلسى “الناتو” وروسيا، والذى أسفر عن اتخاذ موسكو قرارها بشن الحرب على أوكرانيا لمنع انضمامها إلى هذا الحلف، وبالرغم من مرور أكثر من 100 يوم على هذه الحرب إلا أن الحلف لا يزال يريد تسريع ضم دول أخرى إليه مثل فنلندا والسويد، فماذا يجرى؟.. وما سر تحفظ تركيا على انضمام الدولتين؟.. وماذا عن سيناريوهات مستقبل الحلف والدول الراغبة فى الانضمام إليه؟ وهل يمكن أن تنضم إسرائيل إليه بعد رفض دائم خلال السنوات الماضية؟

محاصرة روسيا 
يسعى الناتو لمحاصرة روسيا من خلال ضم دول أخرى قريبة من الحدود الروسية إلى صفوفه، وهو ما عملت عليه السويد وفنلندا، غير أن بداية سخونة الصراع ومحاولات توسيع الحلف ليست وليدة ما قبل الحرب الروسية أو بعدها لكنها تعود إلى التسعينيات من القرن الماضى وبالتحديد فى عام 1997، عندما بدأ حلف "الناتو" خطوات ضم ثلاث دول فى حلف وارسو السابق، هى هنغاريا والتشيك وبولندا، وتم الأمر بشكل كامل عام 1999.وما يميز هذه الدول الثلاث أنها على حدود أوكرانيا، وتحول مع أوكرانيا وبيلاروسيا بين روسيا وغرب أوروبا.


وشهد عام 1997 أيضًا، توقيع اتفاقية بين روسيا والحلف الأطلسى لتنظيم العلاقات بين الطرفين، عبر بناء الثقة، لكن هذه الاتفاقية كانت سياسية وغير ملزمة. وتعهد الناتو حينها بتنفيذ المهام الدفاعية، عوضا عن التمركز الدائم لقوات قتالية كبيرة فى أراضى أعضاء الحلف الذين كانوا فى حلف وارسو سابقا، غير أن الاتفاق بقى حبرا على ورق، فى ظل اتهام كل طرف للآخر بانتهاك الاتفاقية.


وفى عام 2004، ضم الحلف دول بلغاريا ورومانيا وسلوفاكيا وغيرها، وكانت هذه الدول أيضًا منضوية فى السابق تحت حلف وارسو الذى تزعمه الاتحاد السوفييتى السابق. واستمر الحلف فى علمية ضم دول فى شرق أوروبا حتى عام 2017، عندما ضم إلى صفوفه جمهورية الجبل الأسود، ما أثار غضب موسكو حينها، وأدانت ما قالت إنه "هستيريا معاداة روسيا" فى تلك الجمهورية الصغيرة. لكن حلف شمال الأطلسى أكد فى أكثر من مناسبة أنه لن يسحب قواته من هذه الدول الأعضاء الذين التحقوا به بعد عام 1997، على اعتبار أن تلك الدول تشكل نحو نصف أعضاء الحلف.

تهديد وجودي
فى المقابل، تعتبر روسيا أن توسع حلف الأطلسى شرقا تهديدا وجوديا لها، لذلك طرحته فى المفاوضات مع الغرب والتى سبقت الحرب على أوكرانيا.


ولأن ميثاق تأسيس الـ"ناتو" والمتعلق بالدفاع الجماعى ينص على أن تتفق الأطراف بأن أي هجوم مسلح ضد أي عضو أو أكثر فى الحلف سواء فى أوروبا أو أمريكا الشمالية، يعد هجوما ضد جميع أعضاء الحلف، فإن روسيا ترى أن انضمام أوكرانيا إلى الناتو بمنزلة تجاوز للخط الأحمر، ومن هنا بدأت الحلف تسريع انضمام فنلندا والسويد إليه وهى الخطوة التى من شأنها أن تنهى ما يقرب من 200 عام من عدم الانحياز العسكرى للدول الإسكندنافية، وانضمام الدولتين سيضمن مزيدا من سيطرة الحلف على بحر البلطيق وسيتضاعف طول حدود الناتو مع روسيا.


الدكتور مصطفى صلاح، الخبير السياسى المتخصص فى الشأن التركى، قال إن حلف الناتو يسعى للتمدد فى الدول المجاورة لروسيا وضم حلفاء جدد، وهذا الأمر الذى أسهم فى تزايد عدد طلبات الانضمام من الدول الأخرى كالسويد وفنلندا.


وأضاف: "أعتقد أن الحلف له مساران، المسار الأول هو الاستمرار فى ضم هذه الدول وتطويق روسيا أمنيا وعسكريا، والأمر الثانى هو زيادة النفقات العسكرية من جانب دول الحلف وهو الأمر الذى ظهرت ملامحه من خلال تجاه الدول الأوروبية إلى زيادة المخصصات المالية للدفاع والتسليح وغيرها من السياسات العسكرية التى من شأنها أن تعزز موقفها فى مواجهة التغييرات الروسية".


وأضاف: "فما سبق ذكره هو بمنزلة الملمح الأساسى للحلف فى الفترة المقبلة خاصة أنه إبان فترة حكم الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب خلافات بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة حول المخصصات المالية الخاصة بالحلف، فالولايات المتحدة ترى أنها تنفق أكثر من الحلف وهو ما دفع إلى تراجع قدرة الحلف على تنفيذ أهدافه وحدوث انقسامات داخلية فى السياسات التى كان ينتهجها الحلف.

وبالتالى الأزمة الروسية الأوكرانية ساهمت فى اتجاه الحلف إلى تعزيز قدراته العسكرية وتوحيد صفوفه من جديد وتوحيد مساراته التى يمكن من خلالها التعاون مع الملف الأوكرانى خاصة أن هذا الأمر ساهم فى إيجاد أرضية مشتركة وتبعية للموقف الأوروبى للولايات المتحدة فيما يتعلق بمواجهة النفوذ الروسى، وهذا هو المسار الأكثر واقعية وأكثر حدوثًا على أرض الواقع وخاصة أن الدول الأوروبية والولايات المتحدة اتجهت إلى توحيد سياسات فيما يتعلق بمواجهة روسيا سواء اقتصاديا أو سياسيا أو عسكريا.

الموقف التركي
وأشار الخبير فى الشأن التركى إلى أنه بالنسبة لرفض تركيا انضمام بعض الدول إلى الحلف، يرجع ذلك الأمر وفق المعلن إلى إعلان تركيا أنها ترفض انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو بخصوص دعم هذه الدول لحركة الخدمة التى تصنفها تركيا على أنها منظمة إرهابية، وبالتالى من شروط انضمام الحلف أن توافق جميع الدول على انضمام دول أخرى، لذا فإن رفض تركيا يمنع السويد وفنلندا من الانضمام لحلف الناتو وتحقيق آمالهم مما قد يدفع هذه الدول لتعديل بعض سياستها الخاصة مع تركيا، وذلك قد يكون بمنزلة فرصة ذهبية لتركيا لممارسة بعض الضغوط على هذه الدول.


وبشأن إسرائيل وعلاقتها بالحلف وإمكانية انضمامها له، قال الخبير السياسى: "أعتقد أن إسرائيل من الصعوبة أن تنضم إلى هذا الحلف نظرًا لعدم احتياجها له، فهى فى الأول والأخير تعتمد على الولايات المتحدة بصورة مباشرة باعتبار أنها وكيل للسياسات الأمريكية فى المنطقة، فهذا الأمر ليس بمفيد أو ببالغ الأهمية لدى إسرائيل لترى فيه تنفيذ أهدافها بل بالعكس قد يفرض عليها بعض المسئوليات والالتزامات التى هى تنأى بنفسها عن الدخول بها فهى تبحث عن حرية حركة أكثر فيما يتعلق بتنفيذ أهدافها فى المنطقة.


وبدورها أوضحت العديد من التقارير الإخبارية الأجنبية والعربية، أنه على الرغم من الإجماع الغربى الواسع بالموافقة حول طلب فنلندا والسويد للانضمام إلى حلف شمال الأطلسى "الناتو" فالرد التركى جاء مخالفا تماما نظرًا لأن أنقرة تتخوف من تكرار تجربة اليونان، وكذلك توظيف الأزمة لتحقيق مكاسب وحسم الملفات الشائكة مع الغرب وذلك لأنها ترى أن الدول الإسكندنافية دار ضيافة لمنظمات إرهابية على حد وصف الرئيس التركى رجب طيب أردوغان.


ومن ناحية أخرى فإن العلاقة بين السويد وتركيا تشهد توترًا منذ العام الماضى، بعدما استدعى سفير السويد إلى الخارجية التركية احتجاجًا على مشاركة وزير دفاعها بيتر هولتكفيستفى مؤتمرا عبر الفيديو مع قوات سوريا الديمقراطية ووجهت تركيا حينها انتقادات لاذعة إلى وزيرة الخارجية السويدية، أنا ليند، بسبب ما وصفته باجتماعات مع عناصر إرهابية إثر زيارة وفد كردى من سوريا للسويد.
ويؤكد خبراء أنه وفقا لميثاق حلف الناتو يحق لكل دولة استخدام حق الفيتو ضد انضمام أي دولة بالحلف.

لذا فمن حق أنقرة التحفظ على عضوية فنلندا والسويد، وفى حال حدث ذلك فإن البلدين لن يتمكنا من الانضمام للناتو، مشيرا إلى أن ذلك يرجع إلى التحالف التركى الروسى الذى يفرض خيارات محدودة على أنقرة يتبعها رفض توسع الناتو على الحدود القريبة من موسكو، ورغبتها فى عدم الدخول فى توترات مستقبلية مع تركيا خاصة فى ظل تهديدات روسيا، ومن ثم حدوث أي اختلالات ستحمل ارتدادات سلبية على تركيا، ليس ذلك فحسب، بل إن تركيا ترى أن دخول البلدين إلى الحلف سيؤدى إلى إرباك حساباتها ومصالحها الإقليمية خاصة فى مناطق القوقاز شرق أوروبا.

فرغم أن فنلندا والسويد تتبنيان ظاهريا سياسة الحياد إلا أنهما دأبا على انتقاد انقرة خاصة فى الشأن الحقوقى 2021، بالإضافة إلى أزمة طرد السفراء العشرة بعد إدانة حبس الناشط التركى عثمان كافالا، لذا تخشى تركيا من أن تزداد مواقف البلدين تجاهها بعد الانضمام وتكرار ما حدث مع اليونان التى عملت على تحشيد الحلف ضد المصالح التركية.

انضمام إسرائيل
أما عن إمكانية انضمام تل أبيب لحلف الناتو، فسبق أن قال عوزى عراد مستشار كبير سابق لرئيس الحكومة الإسرائيلية، إن مسألة انضمام تل أبيب إلى الناتو بأنها غير واردة على الإطلاق، مؤكدًا رغبة الشعب اليهودى فى عدم الاتكال على أي طرف أو حلف آخر فى الدفاع عن نفسه، كما أنه يرى أن العضوية فى حلف الأطلسى قد تعمل على تقيد العمل العسكرى الإسرائيلى، ولذلك فإن هذه الفكرة غير ممكنة من الناحية العملية أيضًا، موضحا أن إسرائيل لا تتطلع إلى علاقة شراكة كاملة مع حلف الأطلسى، ولكن إلى عمل مشترك، فهى لا تتطلع فى تعاونها إلى الحماية التى يمكن أن يقدمها الحلف لها ضد أي تهديد، ولكن الفائدة المرجوة من انضمام إسرائيل للحلف تكمن بالدرجة الأولى في تعزيز الثقة لدى الإسرائيليين للاعتراف والإقرار بعملية السلام فى المنطقة.

نقلًا عن العدد الورقي…،

الجريدة الرسمية