رئيس التحرير
عصام كامل

القراءات الرديئة!

لعلك صادفتَ ذاتَ مرة قارئًا يقرأ فى مَحفل قرآنى هكذا: "طه، ما أنزلنا عليك القرآن.."، ووقف على لفظة "القرآن" وسكت وصمت، ولم يُكمل: "لتشقى"، ليُفسد المعنى المُراد من ربِّ السماء تمامًا، وسط تصفيق وتهليل من الصييتة أو الهتيفة الذين استأجرهم القارئ، أو العوام الذين لا يستوعبون معانى القرآن الكريم، والذين يظنون أن قارئهم أتى بما لم يأتِ به الأوائلُ. 


هذا القارئ المُعتمد فى سجلات الإذاعة والتليفزيون ليس وحده مَن يُحرِّف الكلم عن مواضعه عن جهل وعدم فهم وإدراك، وليس سوء نية، وإن كان الجهل وسوء النية هنا يستويان مثلًا. الوقفُ القبيحُ فى تلاوة آيات القرآن الكريم، وتحميل هذه التلاوات على منصَّة الفيديوهات بمعايبها ومثالبها كارثة من كوارث بعض قراء القرآن الكريم، يجب التنويه إليها واتخاذ خطوات جادة لحذفها من الفضاء الإلكترونى، والتنبيه عليهم؛ حتى لا تشيع الأخطاءُ بحق كتاب الله العظيم.


يغضبُ قراءُ القرآن الكريم من النقد، ويرون أنهم فوق النقد والتقييم والتقويم، وهذا ليس منطقًا سديدًا؛ بل إنَّ غياب النقد الواعى والسليم فى هذه المنطقة، أغرى الكثيرين بالخطأ واللحن والتجاوز. أضفْ إلى ذلك سببًا آخر، وهو أنَّ مُعظم القراء المُعاصرين من خريجى كليات الزراعة والتربية الرياضية والخدمة الاجتماعية والدبلومات الفنية، وليسوا أزهريين أو تتلمذوا على أيدي علماء القراءات، كالقراء الأوائل المُعتبرين الذين أسسوا دولة التلاوة وصنعوا مجدها الخالد. 

نماذج سيئة


النموذجُ الذى ذكرته آنفًا ليس هو الوحيد، بل إنَّ هناك مئاتِ الخطايا التى يقترفها قراء رسميون ومُعتمدون، وهو ما يجعل اعتمادهم مثار جدل وتساؤل وحيرة.. وتشكيك! 

يتوهمُ بعضُ القراء أنَّ كل معنى صحيح، يمكن تطويع القرآن الكريم له، وهذا جهلٌ بيٍّنٌ وصارخٌ، ولذا لا يجبُ أن يتم إجازة قارئ دون اختباره اختبارًا حقيقيًا وليس شكليًا فى الوقف والوصل والابتداء وفهم واستيعاب معانى الآيات مع إلمام جيد بدروب اللغة العربية وقواعد النحو والصرف. 

 

ومن التجاوزات الصارخة فى هذا السياق: أنَّ أحدهم  قرأ من سورة البقرة: "رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ"، دون إتمام الآية ففسد المعنى المراد واختلَّ وضلَّ. ومن السورة ذاتها قرأ:"أُولَـٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّـهُ"، ولم يُتم المعنى إلى آخره، فتبدل واختلف إلى ما سواه.

 كما قرأ الشيخ نفسه من سورة "الأعلى":"بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ.." دون إتمام الآية، فضاع المعنى وتاه؛ بسبب وقف خاطئ قبيح. ويقرأ آخر من سورة "يس":"قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ۜۗ هَـٰذَا". ووقف عند اسم الإشارة دون أن يُكمل الآية، فحرَّف المعنى تمامًا. 

 

ومن سورة "الصف" قرأ قارئ من ذوى الأجور الفلكية: "فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ"، دون أن يُتمَّ الآية والمعنى المطلوب، فجعل الطائفة آمنتْ وكفرتْ فى آنٍ واحدٍ. وكرَّر القارئ نفسه الخطأ ذاته ولكن فى موضع آخر من سورة "غافر" عندما قرأ هكذا: "فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّـهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا".. وهذا خللٌ فادحٌ لا يخفى على كل ذى فهم سليم. ومن سورة "الأعراف" قرأ أحدُهم: "وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّـهُ..".. ووقف عند لفظ الجلالة، ولم يتم الآية، ففسد المعنى وأساء إلى الذات العَليِّة. 


ولعلَّ النموذج الأشد سوءًا نلمسه فى قراءة أحدهم من سورة "المائدة": "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ.."، دون إتمام الآية إلى آخرها، وهذا ليس هو المعنى المقصود، تعالى الله عن ذلك عُلوًا كبيرًا. وهناك فيديو مشهور لأحد أكابر القراء وسط هتاف وتصفيق غير عادى من بعض العوام، حيث كان يتلو من سورة "ص":"قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ ۖ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ.."، دون إتمام الآية والمعنى المقصود، وهذا وقفٌ شديدُ القبح، تعالى اللهُ ربُ العالمين.

 


ما تقدَّم من نماذجَ وأمثلة مُجرد غيض من فيض، والمُحزنُ.. أن هذه الأخطاء والخطايا تصدُرُ عن قراء أكابر تمت إجازتهم فى اختبارات الإذاعة والتليفزيون. والأشد حُزنًا.. أنَّ هذه التلاوات مُتاحة على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، مدعومة بآلاف إشارات الإعجاب من غير الفاهمين لآيات الله البينات التى تحتاج قلوبًا  تستوعبها، وألسنًا تتلوها حق تلاوتها، والوقف العشوائى والقبيح لا يستقيمُ مع حق التلاوة. هذا بيانٌ للقراء وللناس ولمن يهمه أمر القرآن الحكيم.. فماذا أنتم فاعلون؟!

الجريدة الرسمية