رئيس التحرير
عصام كامل

خفاجي فى دراسة عن الفن ليس الإبداع أن يستعير الشرق من الغرب فنًا

المستشار محمد خفاجي
المستشار محمد خفاجي

الفن لا يمكن أن يعيش بلا حرية، وهو وثيق الصلة بالصراع بين الخير والشر والقبح والجمال قوام الحياة الإنسانية، وتثير بعض الأعمال الفنية من بين الحين والأخر صخبا مجتمعيا كبيرا إذا ما مست تقاليد المجتمع وأخلاقياته من وجهة نظر الرأى العام ولا يراه الفنانون كذلك، مما يثير التشابك بين الطرفين ويلزم فض هذا التشابك من طرف محايد بسياج القانون المنظم لحياة المجتمعات.

حرية الفن 

ويثور التساؤل حول مدى حرية الفن،  هل يتجرد من كل شئ  ويصبح مطلقا أيًا كان أم يتقيد بضوابط تحد  من حريته لصالح المجتمعات ؟  نجد الإجابة على هذه التساؤلات فى أحدث دراسة قانونية متميزة على مستوى عالمنا العربى  للفقيه المصرى المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة المعروف بأبحاثه الوطنية فى الشأن العام بعنوان: "مدى حرية الفن  بين محاكمة الإبداع والمقومات الأساسية للأمة المصرية" ونعرض للجزء الثالث من تلك الدراسة المهمة لفض التشابك بين الرأى العام وأهل الفن فى أربعة عناصر فيما يلى:

واقع المجتمع المصري

قال  الفقيه المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، أنه بالنسبة للأعمال الفنية التى تتناول العلاقات الجنسية بكافة صورها وأشكالها تثير العديد من التساؤلات على قمتها، هل مصر فى ثورة جنسية ترضى فئة صغيرة من ضعاف النفوس والمرضى أم ثورة عزة وكرامة تتصل بحياة شعب بحجم مصر ؟ فمثلا العلاقات المثلية يجرمها القانون وتحرمها الأديان وتحظرها قواعد الأخلاق، فهل يجوز تناول موضوع يبعث برسالة للمجتمع يحض على مخالفة القانون والدين والأخلاق ! أم تعالج تلك العلاقة وفقًا لهذه الأسس وتتغير نظرة المعالجة وزاوية التناول لتبعث برسالة إلى الشفاء والإبراء وفقا لقواعد العلم الطبى الحديث،  تلك هى النظرة التى يجب أن نعالجها، وأهمية طرح هذا التساؤل هو أنه يجب على الفنانين أنفسهم النظر إلى واقع المجتمع المصرى بعين الناقد البناء لا الناقد الأعمى وفقًا لأفكار نستوردها كما هى بنموذجها من بيئة الخارج والغرب، فتصبح عملًا مشوهًا فى التكوين الفنى لا يتماشى وطبيعة المجتمع المصرى  والعربى الذي يجب التعبير عما يعيش فيه اليوم من مشكلات تتناول ألوانًا من معاناته فى الحياة وفقًا للحقيقة والواقع.

السينما المصرية عملاقة

وأشار المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى إن حرية الإبداع الفني تُعدّ عنصرّا من عناصر احترام حرية التعبير عن الذات، وهي واحدة من القيم الأساسية فى المجتمعات المتقدمة، لذا تميزت مصر على مختلف العصور  بحرية الإبداع في مختلف الفنون. والسينما المصرية ولدت عملاقة عالميا، وواقع المجتمع فى غالبيته هو الذي يجب أن يؤسس للفن وليس للفن أن يؤسس لواقع على خلاف القانون والدين والأخلاق، والخطأ الفنى المستورد من بيئة اجتماعية مغايرة للمجتمع الشرقى بدعوى الحرية المطلقة ليس  نوعًا من أنواع الفنون السينمائية المستجدة، بل هو فى حقيقته وجوهره فن الخطأ السينمائي.

وأضاف أن واقع المجتمع فى غالبيته هو الذي يجب أن يؤسس للفن وليس للفن أن يؤسس لواقع على خلاف القانون والدين والأخلاق  ، وهذه المرحلة من الفن تحتاج فضلا عن طرح واقع مشكلاته تحتاج أيضًا إلى تجسيد معاني الخير والكرامة، والرأى عندى أن الخطأ الفنى المستورد من بيئة اجتماعية مغايرة للمجتمع الشرقى بدعوى الحرية المطلقة ليس  نوعًا من أنواع الفنون السينمائية المستجدة، بل هو فى حقيقته وجوهره فن الخطأ السينمائى الذى يجب أن تتغير مفاهيمه ومعانيه في السينما المصرية المستجدة والتى ولدت عملاقة وتميزت بالعالمية منذ بدايتها.

ضوابط العمل الفنى

وأوضح المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى أن ضوابط العمل الفنى والإبداعي منها مجتمعية ومنها للفنان ذاته، ومع الاعتراف للفنان بخصوصيته الفنية لا يجب أن يتجاهل خصوصية مجتمعه أيضًا وقواعد الهوية الوطنية للدولة التى يحيا فى ظلها، وليس لأحد أن ينصب نفسه وصيّا على الفن أو الإبداع أو الجمال، والحقيقة أن ضوابط العمل الفنى والإبداعي تتنوع لأسباب كثيرة تختلف باختلاف المجتمع الذي ينتمي إليه الفنان والمبدع، وبعض هذه الضوابط  يضعها المجتمع ككل وهى لازمة من لوازم حياته الثقافية والدينية والأخلاقية والاجتماعية، وبعض هذه الضوابط  تكون نابعة من داخل نفسية الفنان ذاته، مثل قناعاته ومبادئه الخاصة التى تشكلت عصارتها الفنية من عمله وخبرته بل وحياته، صحيح  أن حرية الفنان فى الإبداع حرية خاصة عن نفسه بملكاته الخاصة وقدراته الذاتية، إلا أنه مع الاعتراف للفنان بخصوصيته الفنية لا يجب أن يتجاهل خصوصية مجتمعه أيضًا وقواعد الهوية الوطنية للدولة التى يحيا فى ظلها وينعم بها فى فنه  ، ذلك هو مفهوم ضوابط العمل الفنى والإبداعى  

 

ليس الإبداع الإستعرة من الغرب


وأوضح  المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى أنه ليس الإبداع أن يستعير الشرق من الغرب فنًا فى بيئته المغايرة ليفرضه فرضًا على بيئة لا يحيا بها لأنه سيصبح مسخًا فى التكوين الفنى تلفظه الغالبية العظمى من المجتمعات الشرقية وفق موروثها الفنى والحضارى والثقافى والسياسى وتختلف المجتمعات فى موروثها الفنى والحضارى والثقافى والسياسى، ولا يجوز استعارة نموذج ليعيش فى بيئة لا تناسبه، فالنموذج الغربى يتختلف اختلافا جوهريا عن النموذج الشرقى فى عناصر ذلك الموروث بتنوعاته وتجلياته  ، وجميع عناصر هذا الموروث هى التى تحدد ضوابط الحياة العامة والخاصة في المجتمعات غربها وشرقها، فكما أن لا يجوز للشرق أن يستعير ديمقراطية الغرب التى لا تصلح إلا للغرب وحده وللشرق قواعده الديمقراطية يحددها هنا أو هناك الموروث السياسى والحضارى، فإنه ليس فى الإبداع من شئ أن يستعير الشرق من الغرب فنًا فى بيئته المغايرة ليفرضه فرضًا على بيئة لا يحيا بها لأنه سيصبح مسخًا فى التكوين الفنى تلفظه الغالبية العظمى من المجتمعات الشرقية وفق موروثها الفنى والحضارى والثقافى والسياسى.

الجريدة الرسمية