رئيس التحرير
عصام كامل

سلسلة ما وراء التسريحة (12)

الديناصور الضاحك
استجمعت شجاعتي، وألقيت حفنة من الفلفل الأسود على السحلية التي كنت أظنها ديناصور خرج للتو من أحد أفلام المغامرات، فأخذت تشهق كما تفعل زوجتي حسنات وهي تطبخ الملوخية، بينما أنا أترقب.


وفجأة، عطست السحلية عطسة تخلع القلوب، مصحوبة بإعصار دفعني للخلف عدة أمتار، فوجدتني أطير مثل سوبر مان، إلى أن اصطدمت بالجدار وسقطت على الأرض، فاقدا للوعي للحظات قبل أن استفيق لأجد السحلية قريبة مني للغاية، فوقفت على حيلي ورحت أنفض الغبار عن ملابسي، أو ما تبقى منها على جسدي.. وحين رأتني السحلية على هيئتي هذه ظلت تضحك، فظننتها تسخر مني، وهو ما أعطاني دافعا قويا لأن أتحداها، وكما يقول المثل يا روح ما بعدك روحي..

استحضرت في خيالي كل مشاهد الأكشن، التي شاهدتها في أفلام بروسلي وجاكي شان وأحمد السقا، وبدأت أحرك يدي في الهواء تارة، وأرفع قدمي عن الأرض تارة أخرى، مستعرضا مهارتي في جميع الفنون القتالية، ولم يفتني أن أصدر بعض الأصوات التحفيزية وكأنني طرزان في الغابة.

سلسلة ما وراء التسريحة (11)

وفي هذه الأثناء كانت السحلية ترقبني، ولم أتبين حقيقة الملامح التي ارتسمت على وجهها، فلأ أدري هل هي تخشاني، بعد استعراضي هذا، أم أنها تستعد للانقضاض علي؟!

بقينا للحظات، ينظر كل مننا للآخر، وفجأة أطلقت السحلية سيلا من الضحكات، حتى أنها استلقت على ظهرها من فرط الضحك، وهو الأمر الذي استفزني، فكيف لهذا المخلوق التافه أن يسخر مني! وحين رأتني السحلية والغضب يكسو وجهي، قالت بصوت يشبه فحيح الثعبان:

- بخيت، صديقي.. أنا لست عدوا لك..

لم اندهش من قدرتي على سماع صوتها وفهمهاـ فمنذ بدأت هذه المغامرة المثيرة، وأن اتمتع بقدرات غريبة تمكنني من فهم مختلف الكائنات والتواصل معها، لكن المفاجأة بالنسبة لي أن هذه السحلية تعرف اسمي، بل وتناديني صديقا، فسألتها:

- كيف تعرفين اسمي، وماذا تقصدين بأنك لست عدوا لي؟!

- من عالمكم أعرف مثلا يقول «عدو عدوي صديقي» وأنتم أيها البشر أعداء الكثير من أعدائنا، لهذا فنحن أصدقاء، لكن الغريب أنكم تهاجموننا دون مبرر..

- نحن نهاجم السحالي كي لا تؤذينا..

- ومن قال لك إننا ننوي أذيتكم أو نريد بكم شرا.. نحن كائنات لها دور محدد في الحياة، نقوم به وليس من أولوياتنا إيذاء البشر..

- الصراحة، أنا لا أعرف لكنني منذ كنت طفلا وأنا أرى الجميع يقتلكم، وهكذا أفعل أنا بشكل لا أرادي..

- عيب على عالم مثلك أن يكون إمعة..

- عالم.. إلهي يسترك.. لكن ما هذا هل قلت علي إمعة؟!

- نعم، فلقد منحك الله عقلا، فكيف لك ألا تستخدمه وتقلد غيرك دون تفكير!

في الحقيقة وفي الواقع، لقد كنت في نصف هدومي أمام هذ المخلوق، الذي لطالما قطعت ذيله وأنا أطارده دون سبب واضح، ولكم اندهشت من قدرة تلك الذيول على الاستمرار في الحركة حتى بعد قطعها، وهذا ما دفعني لسؤال السحلية ع السر وراء ذلك فقالت:

- شوف يا عزيزي، قطع الذيل وسيلة من وسائل الدفاع عن النفس، فأحينا تهاجمنا مخلوقات اشد منا وأخطر، ولا نجد سبيلا سوى قطع ذيولنا طواعية من أجل الفرار، بينما تبقى لدى الذيول القدرة على الحركة للحظات، وهو ما يشغل من يهاجمنا ويمنحنا الفرصة للهرب..

سلسلة ما وراء التسريحة (10)

يا سبحان الله، هكذا قلت في نفسي، بعدما استمعت لكلام السحلية، التي لم تضع الوقت وطلبت مني أن أركب على ظهرها كي تحملني إلى غرفة نومي، لتخرجني من هذا العالم الغريب أقصد تلك المنطقة السحرية الواقعة خلف التسريحة.

هممت بركوب ظهر السحلية، غير أنني توجست خيفة، فكيف لي رغم حديثنا هذا أن آمن شرها وأن اصدقها هكذا مثل الأبله.. وحتى إذا حدث وذهبت معها فكيف لي أن أترك سلسلة المفاتيح بعد أن عثرت عليها؟!

- اسمعي أيتها السحلية، أنا لست واثقا فيك.. فكيف لي أن اضمن أنك صديقة بالفعل وأنك ستساعديني في العودة إلى غرفة نومي؟!

- هل تتذكر الصرصار الذي ساعدك للوصول إلى الكهف؟

- ومن أخبرك بهذه الحكاية؟

- لا ترد على سؤالي بسؤال.. لقد كان ذلك الصرصار صديقا لي، فقد أنقذني مرة من أحد الثعابين الذي كان سيلتهمني، وحين كنت أنت وهو في طريقكما كنت أتابعكما من بعيد.. عليك أن تصدقني وإن لم تفعل سأذهب الآن وأتركك هنا تواجه مصيرك.

ابتعدت السحلية عني، بينما أتابعها في ترقب، وقبل أن تغيب عن عيني صرخت فيها لتعود، فواصلت المسير في طريقها دون أن تلتفت، قبل أن تتجمد مكانها وتستدير عائدة نحوي.

ربطت سلسلة المفاتيح في ذيل السحلية، واعتليت ظهرها وانطلقنا في الطريق للخروج من عالم ما وراء التسريحة، إلى أن رأيت شعاعا من النور في مرمى بصري فأدركت أنني على وشك العودة لغرفة نومي، غير أنه ككل مرة لم يكن الأمر بهذه السهولة، إذ تجمدت السحلية في مكانها حين ظهر أمامنا فجأة ثعبان ضخم طويل يتلوى في طريقه نحونا.

سلسلة ما وراء التسريحة  (9) 

قطعت السحلية فترة الصمت، وطلبت مني أن أركض بقوة للخروج من وراء التسريحة، فسألتها عن مصير سلسلة مفاتيحي، ثم انتبهت إلى أنني قليل الذوق فكيف اسأل عن السلسلة دون أن اهتم لمصيرها هي مع ذلك الثعبان الذي حتما سيبتلعها، لكنها سارعت بالرد..

- اسمع، لا تقلق، اركض أنت وسوف ألقي إليك بسلسلة المفاتيح، أما الثعبان فأنا كفيلة بالخلاص منه.

وبالفعل طوحت السحلية ذيلها المربوط بسلسلة المفاتيح فانفصل الذيل عنها واستقر في غرفة نومي، ثم تبعته أنا وخرجت من وراء التسريحة..

ها أنا أقف في الغرفة إلى جوار التسريحة وأمامي السلسلة تلمع وهي تعكس ضوء النجفة الكريستال، فتنفست الصعداء وأخذت أفرك عيني كي أتأكد أنني لا أحلم.

بالفعل لست أحلم، فأنا بخيت عامل المشرحة الذي بات في حجم عقلة الأصبع، وهذه سلسلة مفاتيحي، وهذه غرفة نومي، وليس على الآن سوى أن أجد العلبة التي أحتفظ فيها بالتركيبة المضادة التى سوف تعيدني إلى حجمي الطبيعي.

تمطعت كمن استيقظ للتو من نوم استغرق أيام وليال، ثم أدرت رقبتي حتى سمعت طقطقتها، ورفعت قدمي لأخطو أولى خطواتي في طريق الخلاص من هذا الكابوس الذي أعيشه، لكن قبل أن تحط قدمي على الأرض مرة أخرى، وجدت شيئا يشبه الطبق الطائر يهبط من سماء الغرفة بقوة نحوي، فصرخت: «يالهووووووووووووووووي.. اجري يا بخت».
الجريدة الرسمية