رئيس التحرير
عصام كامل

علي من نطلق الرصاص! (1)

حقا لا أعلم على من تحديدا نطلق الرصاص، هل نطلقه على الفنانة الشهيرة زوجة رجل الأعمال أم على سيارتها وحقيبتها الغاليتين أم على المتابعين الذي إن امتلكوا من الفراغ ما سمح لهم بالبحث عن سعر السيارة والحقيبة أم على السوشيال ميديا التي أصبحت مرتعا للأحقاد والمراقبات والأمراض النفسية.


ربما أطلق الرصاصة الأولى علي الأغنياء ولكن هل حقا هم من يستحقون أن نطلق عليهم الرصاص لأنهم يصورون مظاهر غناهم أم على من يتابعوهم بغيرة لأنهم غير راضين عن حياتهم ويتمنون حياة الأغنياء.. وهل هذه الصور هي حياة الأغنياء فعلا أم مجرد مشاهد من حياتهم .. فهل الأغنياء الحقيقيون يتعمدون إظهار غناهم كما يفعل الفنان الشهير حين يعرض أسطول سياراته.. أم هم فقط الأغنياء الجدد من يقدمون على هذا الاستفزاز..

وما المانع أن نطلق الرصاص على المال رغم أن المال في حد ذاته ليس له ذنب لأنه وسيلة من وسائل السعادة في الحياة أم أطلق الرصاص على من تملكت منهم الدنيا فأصبح المال هو سعادتهم الوحيدة.. أم أطلق الرصاص على قبورهم التي سيحملون إليها حتما مجردين من هذا المال.. ولكنني أعود من تفكيري هذا حزينة لأن في حقيقة الأمر هم ليسوا أغنياء على خريطة العالم.

الوباء والفتنة

في شتاء العام الماضي كان احتفال ورشة عمل مسرح لا فاريتيه بموناكو بمناسبة مرور 80عاما على انشائها وكنت بين الحاضرين كوني طالبة فيها وعلى نفس الطاولة كانت زميلتي الجميلة وكانت أول مرة أقابل زوجها رجل بسيط وتلقائي وحين جاء النادل يسألنا ماذا نشرب طلبت عصير برتقال وقلت معلقة أنا لم أشرب في حياتي كحول فرد زوج زميلتي ولا أنا..

وتحدثنا عن الأسبوع الرياضي الخيري حيث كل كيلو متر مشي تدفع الشركات يورو لصالح الجمعيات الخيرية المختصة بالأطفال علي مستوى العالم فرحت أتحدث بفخر عن إنني أستطعت أن أصل إلى 130 كيلو متر مشي في العام الماضي وهدفي 150 كيلو متر هذا العام.. فرد زوج صديقتي إنه وصل العام الماضي إلي 350 كيلو.. فاندهشت وقلت أنا وصلت لهذا الرقم وأنا أعمل لم أكن بأسبوع إجازة فرد وأنا أيضا كنت إعمل أنهي عملي ليلا وأذهب لأجري حتى الصباح..

أسفة ولكن أين تعمل.. أنا مدير الكازينو.. أي كازينو.. كازينو اللعب.. الكازينو الصغير.. لا كازينو موناكو الكبير الرئيسي.. أمضيت لحظات صمت فعقلي كان عاجزا عن استيعاب ما أسمعه فأنا أجلس على طاولة واحدة مع مدير إحدى أكبر صالات القمار بالعالم..

بعد أن التقطت انفاسي قلت الحقيقة تصورت إن مدير الكازينو سيكون مختلفا.. مختلف كيف.. لم أتوقع إنك لا تشرب الخمر ورياضي جدا.. هذا عملي وليس له علاقة بشخصيتي وحياتي.. فعلقت بخجل هل لي أن أطرح عليك بعض الأسئلة.. طبعا تفضلي.. هل حقا هناك من يكسب ملايين في الكازينو.. نعم.. إذن الكازينو يخسر..

مصر والعلاقات الاستراتيجية لفرنسا في الشرق الأوسط

لا طبعا المحصلة النهائية لابد أن تكون في صالح الكازينو.. ما هو أغرب مشهد رأيته.. أغرب مشهد أراه كل ليلة حين أرى أغنياء العالم يتحولون إلي أطفال تتابع عيونهم هذه الكرة الصغيرة اللعينة وهي تدور والادرالين لديهم يرتفع وهم يراقبون رغم انهم يديرون مليارات بالعالم وربما يحددون مصير شعوب.. وضعت يدي علي قلبي من صعوبة الرد ولم أعلق.. ما هو أصعب موقف رأيته.. أراه أيضا كل ليلة لهؤلاء الذين يلتصقون بأحد الاغنياء ويجلسون عند قدميه ليلقي لهم جيتونات وهي عملات اللعب لأنهم مرضى بلعب القمار و لا يمتلكون مالا.. لم اعلق ايضا هذه المرة ..

ما هي أكبر خسارة لأحد رواد الكازينو.. ستصدمين كثيرا لكنها الحقيقة 87 مليون دولار لرجل أعمال انجليزي.. هنا لم أستطع الصمت ولا استكمال الأسئلة فقد صدمت وذهلت وعلقت بحزن ولكن هذا ظلم كيف يمكن لشخص أن يخسر كل هذه الأموال في لعب القمار في وقت يموت فيه أطفال من الجوع في أفريقيا..

فرد قائلا لا تنظري للأمور من هذه الزاوية الصراعات في بلاد هؤلاء الأطفال هي السبب في موتهم جوعا وليس الفقر نحن لن نغير العالم فكري أن الكازينو يدفع مرتبات لموظفين كثيرين لهم أسر كثيرة هناك دائما جانبا جيدا في الصورة..

انتهى الحوار عند هذا الحد لكن في طريق عودتي ليلا فكرت إن الأغنياء الذين حكي عنهم مدير الكازينو فقراء.. ونحن من نمشي كيلو متر لنضع يورو لصالح الأطفال المرضى الأغنياء الحقيقيون.. ثم عدت وفكرت فهناك أغنياء طيبون علي هذه الأرض يتبرعون للأطفال بمبالغ كبيرة.. ولهذا فوجدت التسمية النهائية للأغنياء هم أغنياء القلب ..
الجريدة الرسمية