رئيس التحرير
عصام كامل

الإشراف على الرسائل العلمية

الإشراف العلمي على الرسائل العلمية ليس بالأمر الهين.. الإشراف علم وفكر ورؤية ووقت وجهد وتوجيه وعطاء وقدوة. وفي هذا الصدد، لا نرى انفصالا بين الجانبين العلمي والخلقي في عملية الإشراف.

وللباحث كامل الحق، وفقا للوائح والقوانين المنظمة، في اختيار المشرف على رسالته العلمية. وينبثق ذلك الحق من واقع تقدير صناع القرار لحق وحرية الإنسان في الاختيار، ولطبيعة العلاقة الممتدة بين الطرفين، ووجوب توفر عنصري الراحة النفسية والتمكن العلمي في آن واحد.

وهنا نتساءل، لماذا يقبل الطلبة على أستاذ دون آخر، وما معايير الاختيار ؟ وهل للقسم العلمي حق التدخل بالقبول او الرفض؟


لجان المناقشات بالجامعات المصرية

 

بداية نشير إلى أن قانون المجلس الأعلى للجامعات يحدد لكل أستاذ نصاب الإشراف الكامل أو الإشراف المشارك على الرسائل العلمية بواقع (١٠) رسائل منفردة، أو (٢٠) رسالة مشتركة مع أساتذة آخرين. 

 

ولم يفرق القانون بين الدرجة العلمية للأستاذ وطبيعة الأطروحة، بمعنى أن لجميع الأساتذة والأساتذة المساعدين الحق في الإشراف على رسائل الماجستير والدكتوراه على السواء. وفي هذا الشأن، لا يطبق القانون في بعض الكليات والأقسام العلمية، حيث جرى العرف الجامعي أن يتولى الأستاذ الإشراف على أطروحات الدكتوراه والماجستير، بينما يتولى الأستاذ المساعد الإشراف على أطروحات الماجستير فقط، ويمكنه مشاركة الأستاذ في رسائل الدكتوراه.

وحينما يقرر الباحث في الجامعات المصرية اختيار مشرف له، فإن كثيرا منهم يضع في المقام الأول العلاقة الإنسانية مع المشرف، وهو أمر طبيعي وصفه جمال حمدان في كتابه شخصية مصر عن الشخصية المصرية العاطفية التي تتسم بها شعوب الأنهار مقارنة بشعوب الصحراء. وقلما نجد باحثا ينظر لعملية الإشراف بمنظور عقلي وعلمي، من باب الاستفادة والقدرة العلمية فقط.

بينما يقع اختيار معظم الباحثين في إطار المعيار الثالث وهو الأستاذ المشرف صاحب الخلق والعلم معا. وأحمد الله أنه منحنى أساتذة مشرفين علماء وشرفاء خلال مسيرتي العلمية، وهم أستاذي الدكتور علي عجوة وأستاذتي الدكتورة كاريمان فريد في مرحلة الماجستير ، وأستاذي الدكتور رينيه جان رافو في مرحلة الدكتوراه، وقد جسدوا جميعا كل معاني القدوة والاحترام والمثل الأعلى والعلم والخلق الرفيع والاحتضان لباحثة تخطو أولى خطواتها في مسيرتها العلمية والمهنية.


تفعيل البريد الإلكتروني الجامعي

 

ولذلك، فالمشرف في الجامعات المصرية يجب أن يكون أولا "مريحا" للباحث نفسيا قبل أن يكون علميا. ومفهوم الراحة، يرادف بالنسبة لي، الإتاحة والتهذب والخلق الرفيع أي حضور الأستاذ العقلي والذهني والفكري والخلقي والجسدي بالنسبة لطالب العلم.

ومن مظاهر الإتاحة والراحة المرغوبة والمشروعة من قبل الباحثين أن يجيب المشرف على الهاتف في الوقت المتفق عليه، ويرد بانتظام على الاستفسارات من خلال الإيميلات أو رسائل الواتس آب أو أى وسيلة أخرى متفق عليها، وأن يتواجد في الموعد المحدد، وأن يحترم عقل وشخص الباحث، ويتعامل معه برقي، وأن يقرأ ويتابعه بانتظام، ويراعي ظروفه الشخصية، وغير ذلك من المظاهر التي تحكم عملية تقييم واختيار بعض الباحثين للمشرفين.

وفي هذا الشأن، قد يصر بعض الأساتذة على الإشراف على كم كبير من الرسائل العلمية دون إتاحة الوقت والجهد والعلم للباحثين، ودون وجود فضاء عام للنقاش والحوار بينهما، مما يعرقل الهدف من عملية الإشراف في حد ذاتها. 

 

ومما يعقد الأمور في سياق هذا المعيار العاطفي، ابتعاد المشرف عن تخصص الباحث، مما يفرغ العملية الإشرافية والعلمية البحثية من محتواها.

وما يؤرقني في هذا السياق، هو طبيعة العلاقة بين المشرفين والطلبة، حيث قد يتعالى بعض المشرفين على طلبتهم، ويتعنتون معهم دون مجهود يذكر من جانبهم، مما يشعر الباحث بالظلم والإحباط. وقد يغالي بعض المشرفين في بعض الطلبات العلمية والشخصية لتعجيز وابتزاز الباحثين معنويا وماديا وإطالة فترة الإشراف، مما يؤثر على صورة المعلم القدوة والنموذج.

وعلى الطرف الآخر، نجد مختلف الأنماط من الطلبة مثل الباحث الكسول الذي يغيب كثيرا لظروف شخصية أو مهنية، وينتفض ويحيا بعد غفلة بصورة مفاجئة ويطلب من هيئة الإشراف القيام بدورها والمثول لرغباته، أو الباحث غير المهذب وغير الأصيل الذي يتطاول على مشرفه، وينكر دوره، ويفسر قراراته في ضوء قناعاته، ويسيء لسمعته، أو الباحث السلبي غير الطموح وغير المؤهل علميا للبحث العلمي، أو الباحث الفهلوي الذي يعتمد على غيره في بناء وإتمام أطروحته.


هوية الجامعات المصرية: دليل كتابة الرسائل العلمية

 

ولضبط هذه العلاقة العلمية المقدسة بين هيئة الإشراف والباحثين أقترح ما يلي:

١. على كل كلية أن تتأكد من الطموح العلمي للباحث وجدواه. وأؤكد "الطموح" وليس القدرة، بمعني أن السنة التمهيدية للماجستير، أو الحصول على الماجستير، يجب ألا يكونا المعيار الأوحد لاجتياز الطالب بوابة المرور نحو الدراسات العليا ، بل يجب أن يعقبها اختبارات من نوع آخر تقيس الطموح والقدرة على العطاء والاستعداد النفسي والعلمي والخبرة والإتاحة والأخلاقيات العلمية والذاتية. وكلها وغيرها ضرورة لإنتاج وتقديم باحث يفيد ويستفيد، ويضيف للحقل العلمي والفضاء المجتمعي.

٢. على كل قسم علمي أن يمارس دوره في هذا الإطار. نعم، من حق الباحث أن يختار أستاذه المشرف ولكن يجب أن يخول للقسم الحق في قبول وإقرار المشرف على الطالب ودون حرج، وذلك في ضوء معيار التخصص في المقام الأول، والنصاب المحدد للإشراف في المقام الثاني.

٣. كما أن للمشرف الحق في التنازل عن الإشراف وترك الباحث لإهماله أو تقاعسه أو عدم رغبة المشرف في الإستمرار معه، يجب أن تتضمن اللوائح ويضمن القسم العلمي وبعدالة، حق الطالب في تغيير المشرف والتقدم بطلب مبرر به أسباب ذلك، وفحص الطلب من قبل لجنة مختصة والبت فيه. وهو المتبع في معظم الجامعات العربية والأجنبية.

٤. تفعيل دور رئيس مجلس القسم العلمي في متابعة طبيعة وحدود الدور بين الأستاذ المشرف وطلابه أثناء الإشراف وبعد المناقشة وإجراء التعديلات، من خلال لجنة تشكل تحت رعايته ورئاسته لفحص المسار العلمي للباحثين بالقسم، ومشكلاتهم، ومقترحاتهم.

٥. تقديم دورات تدريبية تمهيدية للباحثين توضح طبيعة العلاقة بين الباحث ومشرفه، وحقوقه وواجباته، والتزامات الطرفين، لإدارة علاقة صحية بينهما على المستويين العلمي والخلقي.

 

هيبة الأستاذ الجامعي

 

أقترح ذلك وأعلم أن أغلبية أعضاء هيئة التدريس قد وهبهم الله ضميرا يقظا مستنيرا وعقلية محترمة واعية بحدود دورهم وطبيعته، ولكن ذلك لا ينفي وجود قلة في كل فئة تسئ لها خلقا وعلما، وتحتاج إلى وقفة صارمة حازمة حرصا على هيبة الأستاذ الجامعي، والمصلحة العامة، وصورة المشرفين الشرفاء، والمصلحة الشخصية للباحثين الجادين المهذبين.

العلاقة بين المشرفين والباحثين ليست علاقة بين قاهر ومقهور كما يهيأ للبعض منهم، بل يجب أن تكون علاقة راقية سامية بين معلم قدوة وطالب أصيل، يعي كل منهما دوره وحقوقه وواجباته، في إطار قيمي يضمن استمرار العلاقة والتباهي والإفتخار بها بعد انتفاء المصلحة العلمية بينهما.

الجريدة الرسمية