رئيس التحرير
عصام كامل

حلول علمية لقضية أطفال الطلاق

بالأمس؛ نشرت مجلة فورتشن للطب النفسي والاضطرابات النفسية؛ أحد إصدارات مؤسسة تايمز العالمية الأمريكية، بحثا هاما لعالمين مصريين كبيرين فى الطب النفسي، أكدا فيها أن قانون الأحوال الشخصية المصري يشكل جريمة بحق أطفال الشقاق "الطلاق" بحسب قياسات نفسية علمية عالمية.

البحث أجراه الدكتور هشام ماجد الطبيب النفسي والمحاضر الدولي، والإشراف العلمي للدكتور جمال شما أستاذ الطب النفسي بجامعة طنطا، وشدد البحث؛ على أن قانون الأحوال الشخصية الحالى في مصر لا يأخذ في الاعتبار أية اختلافات أو فروق فردية بين حالة طلاق وأخري أو المصلحة العليا لأطفال الطلاق..

 

ما تسبب فى العديد من الآثار السلبية على نموهم، مطالبا بضرورة البدء فى تغيير سريع لهذا القانون تحت ركيزة المصلحة العليا للأطفال وغطاء المبدأ الأساسي وهو الرعاية المشتركة للصغير بين الأم والأب، بناء على تقديرات علمية وليست رؤية سياسية أو نسوية تعتبر "الحضانة" من مكتسبات المطلقات.

مؤتمر رئاسي لإنقاذ الأسرة المصرية
البحث أوصى بضرورة أن يسمح تشريع جديد للطفل بالتربية والرعاية والمعايشة بين أبويه وعائلتيهما حتى حال وقوع الطلاق، مع ضمان سلامته وأمنه واستمراره في ممارسة أنشطته الطبيعية علي جميع المستويات التعليمية والاجتماعية والرياضية أو الهوايات المحببة له.

كما طالب البحث؛ المشرع؛ بضمان عدم تعريض الطفل لأي نوع من العنف أو الإساءة أو الاستغلال، وتجنيبه كافة أشكال الحرمان العاطفي من الأبوين، وحال تطبيق نظام "الحضانة"؛ غير المعروف فى الشريعة الإسلامية؛ أن يقتصر على الأم أولاً ثم الأب ما لم يكن هناك عوائق قانونية أو محاذير لأحدهما، وألا يزيد سن الحضانة عن سبع سنوات ولا تتجاوز بداية سن المراهقة وهي 12 عاما.

وطرح البحث تصورا لتحقيق الرعاية المشتركة بمبيت الطفل خلال العطلات الأسبوعية والدراسية والرسمية والأعياد لفترات لدى أحد والديه "غير الحاضن" وعائلته لضمان اتصاله الدائم والواقعي بأهليته، وهو حق أصيل له تقره مواد اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل التى صدقت عليها مصر ونسخت تشريعاتها الداخلية بموجب المادة 93 من الدستور الحالي.

ونوه البحث؛ إلى أهمية إلغاء نظام التخيير للطفل بين الوالدين أمام القضاء لاختيار العيش مع أحدهما، وهو المتبع قانونا عند سن 15 عاما حاليا، لحقه الأصيل فيهما وأهليتهما معا وحقهما فى مباشرة مشاعر الأبوة تجاهه، وإعادة تقييم الطرف الحاضن كل خمس سنوات؛ "حال الإبقاء على نظام الحضانة"؛ من قبل لجنة متخصصة تضم أطباء نفسيين واجتماعيين، شريطة وجود امرأة واحدة على الأقل في تلك اللجنة الرسمية، لمساعدة المحكمة في إتخاذ القرار الصحيح، لضمان السلامة والأمان والاستقرار وتلبية احتياجات الطفل علي جميع الأصعدة المالية والتربوية والاجتماعية والنفسية، وضمان خروج أجيال قوية تحافظ على تماسك  المجتمع المصري وتساعد في سمو وتقدم وازدهار البلد.

مجلس قومى للأسرة المصرية
نتائج وتوصيات البحث الدولي تطرح تساؤلات هامة مع تجاهل البرلمان خلال نحو خمس سنوات أزمات المصريين مع قانون كارثي كرس لفكرة "المكتسبات" من تشريعات الزواج والطلاق؛ فى مقابل محاولات فرض الأمر الواقع من قبل ضحايا القانون والأعراف البالية والجهل بالأبعاد القانونية لعقود الزواج وعقوبات دخول هذا المشروع الاجتماعى والتخارج منه.

أول هذه التساؤلات؛ إلى متى يستمر المشرع ومعه الحكومة فى استبعاد العلم والعلماء عند التعامل مع كارثة ما؟ وهو ما يثير تساؤلا هاما بالقياس والمقارنة، هل اعتمدت الحكومة ومعها البرلمان المراقب لها على العلم حقيقة فى مواجهة كارثة كورونا مثلا؟ مع أن جريمة التدمير النفسي لأطفال الشقاق أشد وأبعد تأثيرا من وباء عابر بوجهة نظري.

ثم هل من المعقول أن تستشار جهة إفتاء أو متابعة أحوال أهل عقيدة، ومعها مجلس نسوي ومنظمات مشابهة لدوره؛ فى صياغة قانون الأحوال الشخصية المستقبلي، بينما يستبعد أهل العلم من إخصائي الطب النفسي رغم أن العيادات التخصصية فى هذا المجال تضم مئات الآلاف من الأسر المصرية التى تعانى شقاقا أو خلافا أثر بالضرورة على النشء بها وكانت نتائجه أشد قسوة على الطفل وأحد الوالدين "الطرف غير الحاضن" لحساب طرف متعنت يدعم القانون إتجاهه نحو تعزيز الخصومة والصراع وقطع الأرحام؟

وهل مسائل الأحوال الشخصية وقضايا الأسرة مجتمعية ذات بعد سياسي وديني وجندري فقط كى تسطر كيانات حزبية وعقائدية ونسوية اشتراطاتها ورؤيتها للقانون، مع استبعاد رؤية خبراء الطب النفسي ومعهم خبراء أمن واقتصاد فيما يمكن تداركه من مخاطر تضرب مجتمعات وأوطان تسدد ضريبة تيسير التشريع الطلاق لأتفه الأسباب أو دونها، مع تدمير علاقات الطفل بأحد أبويه وعائلته وطمس هويته الاجتماعية وجعله عدوا محتملا لبشر من حوله؛ وربما وطنه أيضا؟

تشريع عقابي يؤجج الصراع الأسري
كيف يمكن لمشرع أن يستفيد من رؤية خبراء الطب النفسي فى مسألة الحفاظ على النشء؟ ثم لماذا يستبعد المشرع من حلقات النقاش؛ "إن دارت"؛ تقديرات خبراء اقتصاد ومال لخسائر مجتمع ودولة على المستويين البشري والمادي مع وجود قوانين كارثية قامت بتسليع بشر والزج بهم فى صراع الكل فيه خاسر بالضرورة؟

إن اهتمام مجلة علمية دولية بنشر بحث فى هذا الموضوع؛ يعنى تأكيدا علميا على قياس دولى لمدى إلتزام حكومات وتشريعات دول بمعايير عالمية نفسية وحقوقية؛ فى ضبط مسائل مجتمعية هامة؛ أولها رعاية الأسرة وحماية استقرارها وأطرافها المستضعفة وأولها الطفل، ومن بعده الطرف غير الحاضن الذي يفقده التشريع الظالم كثيرا من هويته وإنسانيته وربما يصنع داخله عدوا لمجتمعه.

المجتمعات التى سبقتنا أجابت فقط عن أسئلة مبسطة تتعلق بمبرر وجودها وأشاعت قيم التسامح وقبول الآخر بين أعراقها وأجناسها، لم تقسم مواطنيها على أساس جندري أو اقتصادي أو اجتماعي، وعززت دور كل فرد فى بنائها، ومن هنا كانت مشروعاتها الوطنية حقيقية ذات نتائج إيجابية انعكست على كافة سكانها ومواطنيها دون تمييز أو استبعاد.

هذه المجتمعات اعتمدت حكوماتها وتشريعاتها على العلم أولا فى قراءة وصياغة مستقبلها، ومن فهم فلسفتها من المهاجرين إليها نجح فى الإندماج والتعايش والاستقرار فيها فأصبحت وطنا ثانيا له، ومن هاجر إليها بمعتقداته البالية جلب لنفسه ووطنه الأصلي العار وتحول إلى شخص غير مرغوب فيه.

لتكن قضية الطفل والأسرة خالية من المزايدات والضغوطات عند وضع تشريع لها، وليكن القانون مستهدفا مجتمع تطبيقه لا مصالح من صاغوه أو القائمين عليه، فهناك مصلحة عليا حقيقة للوطن تتمثل فى استقرار طفل وأب وأم وعائلة، وهناك دول تقيم قوة وضعف دول أخرى بقياس درجة تماسك الأسرة داخلها وحماية التشريع لأفرادها كافة ودعمه استقرارها.

الجريدة الرسمية