رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

«تسبيكة» طعم البيوت

في البيوت تعيش حكايات، وفي الحكايات تعيش بيوت.. إنها دائرة من الناس والأحداث والمشاعر تسكنك أو ربما أنت الذي يسكنها، فالأمور هنا تختلط بشكل يصعب معه فصل مكوناتها، هو مزيج متجانس يشبه «تسبيكة» طعام الجدات..

 

1

في واحدة من حيواتي السابقة، كنت جدارا في منزل بمدينة حية دمائها حارة، حيث يمتزج الناس ببيوتهم، فلا يمكنك مثلا أن تميز بين ركن الغرفة وحضن الزوجة، وكذا مقابض الأبواب لم تكن سوى أياد ممدودة ترحب بالعابرين، أما الأكواب فربما كانت في حياة أخرى أثداء أمهات أطعمن أطفالهن لبنا من نهر يربط بين النافذة الكبرى وعين الجدة الجالسة في صحن الدار تغزل من ابتسامات البنات شالا تدفئ به عنق البيت في الشتاء..

 

اقرأ أيضا : كيف تتجنب صدمات النهايات

 

البيت الذي كلما نشب صاحبه فأسه في الأرض تعرقت جدرانه وأخذ صدره يعلو ويهبط.. لم تكن البيوت ثابتة في مكانها، إذ كان يمكن للمرأة أن تحمل بيتها على كتفها إلى الحقل حيث تساعد زوجها، لكنها إذا شعرت بالملل لطول الطريق، كان البيت يتحول إلى مهرج وجهه ملطخ بالألوان ليسليها.. وفي الحقل كان الزوج يمشط للبيت شعره المجعد، ثم يجمعه برباط مجدول من أنفاس زوجته..

 

هكذا تمتزج البيوت بناسها فلا يمكنك أن تفصل ما بين عظام الأسلاف وقوالب الطوب اللبن.. في تلك الحياة كانت البيوت تحتمي في أصحابها، كانت تسكنهم وتأتي إليهم إن تأخروا عنها.. بيوت تشبه معمريها وتنزف هي إن انجرحوا هم..

 

واقرأ ايضا : أمى كاذبة

2

فقيرة هي البيوت التي تلجأ إلى أجهزة التكييف والمدافئ للتغلب على برودة الشتاء، أما البيوت الغنية فتدفئها أنفاس امرأة تجيد رتق القلوب الممزقة في الليالي التي يغيب عنها القمر، تلك المرأة التي تغزل من خيوط حزنها ثوب الزفاف لصغيرتها، وتجدل من الوجع حبلا ينتهي إلى الفرح، وتصنع من حضنها سكنا لرجلها الضال، فتصير له وطنا يؤويه حين تضيق به السبل..

 

3

الزواج من امرأة ذكية يا بني يعني أن تعيش في حضن الخطر. يشبه تماما أن يختبئ القاتل في مركز الشرطة، حيث يسكن في أبعد الأماكن عن الاشتباه، لكنه حتما يظل عرضة للشكوك محاطا بالاتهامات تلاحقه عيون المحققين، ويبقى سقوطه في قبضة العدالة مسألة وقت.. لكن دعني أخبرك سرا: الأمر ممتع لا تنقصه الإثارة ويستحق المخاطرة.

 

اقرأ ايضا: تمثال طيب في مهمة إلهية

 

4

قبّل راحة يدها طويلا، وحين رحل شعرت بنبض قلبه في كفها، فقبضتها، حتى إذا عادت إلى بيتها تسربت من بين أصابعها فراشات ملونة ومضيئة طافت حولها كنغمات أول لحن لعازف شغوف بالموسيقى والعطور.

 

Advertisements
الجريدة الرسمية