رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

البدوى.. ابن مين في مصر


في حديث المرأة المخزومية الشهير أراد الرسول الكريم أن يثبت أركان العدل، امرأة سرقت وأقيمت عليها الحجة، وثبتت الجريمة وصدر الحكم، ولأنها من علية القوم فإن أهلها وأقاربها جاءوا إلى النبي الكريم يلتمسون منه عدم تنفيذ الحكم، فقال قولته الشهيرة “أيها الناس إنما أهلك من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها”.. انتهى القول الفصل ونفذ الحكم.


عاشت واقعة سيدنا الرسول قرونا طويلة، وستعيش إلى الأبد، دليلا على عدالة السماء التي تحدث بها رسول الله، فما كان ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، ومع الأيام تتأكد عدالة السماء في هذا العصر الطاهر، كلما تعرضنا أو عرضت علينا واحدة من قضايا علية القوم، وما أكثرهم، فإن تحصل على حكم قضائى بات ونهائى فإن هذا لا يعنى أن حقك سيعود إليك، فلا يزال علية القوم في مأمن من إقامة الحدود، ورغم أن حقوق الناس الضائعة تمثل حقا للمجتمع في العدل والإنصاف، والهدوء والاستقرار فلا يزال الوضع على ما هو عليه.

الدكتور "السيد البدوى شحاتة" رئيس حزب الوفد السابق، ورجل الأعمال الشهير واحد من علية القوم الذين تقف العدالة أمامهم مكتوفة الأيدي، رغم صدور عشرات الأحكام القضائية بالحبس ضده وضد ابنته، يمارس حياته الطبيعية، بينما أصحاب الحقوق تسكن حلوقهم الغصة والمرارة، بيوت خربت وشركات أفلست، وهو ينعم بحياة هادئة مستقرة، وربما ينفق من أموال الناس على بيته العامر، وغيره يقتاتون من بقايا ما يأكل الناس.

عشرات الملايين هضمها هذا الرجل بظلمه وجبروته، وآلة العدالة تقف محلك سر، ووزارة الداخلية التي لديها عشرات الأحكام الصادرة بحقه لا يعرف أحد سر صمتها وسكوتها، وهي المنوط بها تنفيذ ما يصدر من أحكام قضائية، مثل هذا الصمت يسبب كوارث تبدأ بفكرة هدم الانتماء، ولا تنتهى عند حدود الأمن القومى للبلاد.

فبلاد تهضم فيها حقوق الناس لا يمكن أن يكون بنيانها الاجتماعى صحيحا قويا في مواجهة مؤامرات تحاك من كل حدب وصوب، وكما يقولون العدالة هي الضمير، وليست ضميرك الشخصي، بل ضمير البشرية أجمع، فإذا رغب الملوك عن العدل، رغبت الرعية عن الطاعة، فالرعية لا يصلحها إلا العدل.

أقول ذلك وأنا على يقين أن وزارة الداخلية قادرة على تنفيذ الأحكام الصادرة لعامة الناس وخاصتهم، أما ترك الرجل هكذا يظهر في وسائل الإعلام، ويقدم نفسه باعتباره مصلحا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، فهو ظلم بين يقهر أصحاب الحقوق، ويرسخ في المجتمع كل صنوف الظلم والقهر، ومن يطالع تفاصيل الأحكام القضائية الصادرة ضد "البدوى"..

يكتشف أنه أمام رجل لا يخجل من إصدار شيكات، ويتلاعب في توقيعاته من أجل تعطيل صرفها، أي إنه محترف، وقد اعتاد حرفة أكل أموال الناس بالباطل، عشرات القضايا التي تم تداولها في المحاكم، إضافة إلى محاولة البعض حل مشاكلهم المالية معه، دون اللجوء إلى القضاء، ولديهم شيكات بعشرات الملايين، وقد تصل جملة الأحكام الصادرة ضده أكثر من عشرين سنة إضافة إلى أحكام نهائية بحبس ابنته.

أكثر من ١٤٠ مليون جنيه سرقها "البدوى" من الناس وفق الأحكام الصادرة ضده، وهو كما هو، يتنقل بين ربوع المعمورة آمنا مطمئنا، يعيش حياة الملوك وغيره فقد كل أصول حياته وحياة أسرته، بعد أن أغلقت شركاتهم، وتم تشريد عمالها وفنييها، وأصبح على فيض الكريم لا لشيء إلا لأن "السيد البدوى" رئيس أقدم الأحزاب السياسية سابقا ورجل الأعمال الحالى.. حتى حزب الوفد لم يسلم من عبثه وكيده وفشله، وتحول إلى حزب فقير في عصره، بعد أن كان يوضع في عداد الأحزاب القوية والقادرة ماليا وسياسيا.

إن آفة "البدوى" طالت البشر والسياسة، وطالت الاقتصاد، ونالت من سمعة القطاع الخاص، وأساءت إلى الصورة الذهنية لرجل الأعمال، وامتد أثره السلبي إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث امتد أثره المرعب إلى النيل من سمعة أجهزتنا الأمنية التي تواصل العمل ليل نهار لحماية الوطن، باتت تلك الأجهزة الآن في دائرة الاتهام إذ من غير المتصور أن تكون وزارة داخلية مصر التي واجهت شياطين الإنس غير قادرة على الوصول إلى سيادته، وهو الذي يحيا حياة طليقة، لا خوف فيها من عقاب ولا محاسب له على جرائمه في حق الناس.

"السيد البدوى" نموذج صارخ لما تمثله العدالة المعطلة بفعل فاعل، فالمصريون هم من قالوا بـ"أن للحيطان آذان" وهم من قالوا بأن “المية ما تطلعش في العالى”، وإذا ما رأوا أحدا يمارس الخروج على النص فإنهم يقولون “ابن مين في مصر”، ورغم أن "السيد البدوي" بما فعله من أكل حقوق الناس فإنه لايزال يسكن في العالى، ومياه العدالة غير قادرة على الوصول إليه، ورغم أنه لا ينتمى إلى السلطة إلا أن من حق البعض أن يتصور أنه ابن واحد مهم في مصر.

كل هذا اللغط وكل هذا العبث من شأنه أن يشيع حالة من الإحباط، ليس في أوساط أصحاب الحقوق وأهاليهم فقط، بل يمتد إلى ماهو أبعد من ذلك، ونظن أن حكايات الماضي التي كنا نتناولها عن أبطال من عينة "السيد البدوى" لا تزال تصف عهودا بائدة بالظلم والمحسوبية، ودليل على أن السلطة في زمن ما تزاوجت برأسمال عفن أساء إليها وإلى المجتمع وإلى الأنظمة نفسها!!
Advertisements
الجريدة الرسمية