رئيس التحرير
عصام كامل

ننشر رسالة قداسة البابا تواضروس الثانى فى عيد الميلاد..البابا يلمح لكيان جديد..وعمق جديد فى الحياة..ويدعو إلى التسامح والمحبة

 البابا تواضروس
البابا تواضروس

جاءت رسالة عيد الميلاد لقداسة البابا تواضروس الثانى المقرر القاؤها فى القداس الإلهى 7 يناير بالكاتدرائية المرقسية، لتكشف عن ثقافة روحية مختلفة فى أول عيد وأول رسالة رسمية له، والتى اختار قداسته أن يتحدث فيها عن ثلاثة عناصر من حدث الميلاد الغنى وهى الاسم الجديد "عمانوئيل" والكيان الجديد "التجسد" والعمق الجديد "المحبة".

وإلى نص الرسالة:
أهنئكم أيها الأبناء الأحباء بعيد الميلاد المجيد، راجيًا لكم بركات مولود المذود المقدس من الفرح والخير والسلام فى حياتكم ومالكم وعائلاتكم، وكل عيد ميلاد وأنتم ملء سلام الروح، وكامل صحة الجسد.

الحدث الغنى
يعتبر ميلاد يسوع المسيح من أغنى الأحداث فى تاريخ البشر، وفيه نتقابل مع نوعيات عديدة ربما تمثل كل الخليقة، فمثلًا
مع الأفراد: يوسف، هيرودس، مريم، أليصابات، سمعان.
- مع الجماعات الرعاة اليهود، المجوس الغرباء، الأطفال.
- مع الحيوانات: فى المذود.
- فى تقدمات الهيكل.
- مع السمائيين: الملائكة، بشارة الملك.
- مع المدن: الصغيرة "بيت لحم" الكبيرة "أورشليم"، الدول "مصر".
- مع الألقاب: النجار، الملك، العذراء، النبية، الشيخ، عمانوئيل.

هو حدث غنى جداً، ولكننا سنختار ثلاثة عناصر فقط
أولاً: الاسم الجديد عمانوئيل.
ثانيا: الكيان الجديد التجسد.
ثالثا: العمق الجديد المحبة.

أولا: الاسم الجديد: عمانوئيل
وترجمته "الله يكون معنا" باعتباره المستقبل، وقد ورد فى نبوة إشعياء قبل أن يصير واقعاً بنحو سبعة قرون "ولكن يعطيكم السيد نفسه آية، ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعوا اسمه عمانوئيل" ( إش 7 :14) كما ورد مرة أخرى بمعناه فى (إش 8 : 10) وتحقق على أرض الواقع (مت 1 :23) مع ميلاد مسيحنا القدوس وهذا هو ما عبر ربنا يسوع المسيح فى الصلاة الوداعية وهو على بعد خطوات من الصليب حين قال: "أريد أن هؤلاء الذين أعطيتنى يكونون معى حيث أكون أنا لينظروا مجدى الذى أعطيتنى" (يو 17 :34) معنى ذلك أن هذا اللقب لم يكتف بتحقيق أن يكون الله معنا فقط بل أشتهى أن يكون نحن أيضاً معه فالله صار معنا لهدف سامى أن نكون نحن أيضاً معه.

وإذا عدنا إلى الوراء قليلًا وقتما صارت البشارة إلى أمنا العذراء مريم، وهى فى ناصرة الجليل حيث يفتتح الملاك جبرائيل بشارته بهذه الكلمات ".. سلام لك أيتها الممتلئة نعمة الرب معاك،( لو 4: 38).

فكانت هذه التحية بمثابة إقرار حقيقة قامة الإيمان التى تحيا فيها أمنا العذراء مريم، حيث صارت مع الله، من كل القلب فصار الله معها فى كل القلب. ومن هنا استمدت نقاوتها وقامتها الفائقة التى استحقت معها أن تكون بالحقيقة فخر جنسنا.

ويمكننا أن نعتبر هذا الاسم الجديد هو افتتاحية العهد الجديد التى بها صار الله معنا، ومتحداً فينا وبنا ولنا، ويدوم هذا الوضع الجديد حيث نقرأ معًا كلمات مسيحنا فى الإنجيل المقدس للقديس متى الرسول: "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر. آمين"، فعمانوئيل فى الإنسانية ومثلا فى "الكنيسة" التى هى جسد المسيح بكل أسرارها وحياتها إلى انقضاء الدهر.

ثانياً: الكيان الجديد - التجسد
يقول معلمنا بولس الرسول "عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد" (1تى 3 :16) فتقوى الإنسان هى السر الذى به نفسهم حقيقة هذا الكيان الجديد فالتجسد ليس حدثًا ماضيًا وقع فى الزمن وانتهى ولكن الله الذى ظهر فى الجسد البشرى ليتفقد الانسان المغترب بعد ذلك الزمن الطويل منذ السقطة الأولى ومعصية المخالفة التى سقط فيها رأساً البشرية آدم وحواء. ها هو يأتى بالميلاد البتولى المعجزى ويدخل طبيعتنا بالسلطان الإلهى لأنه غير خاضع للطبيعة بل هو سيدها.

فالميلاد وظهور ابن آدم الله مولودًا هو لتأكيد حقيقة إنسانية وبشرية المسيح وفى نفس الوقت كان ميلاداً بتولياً فريداً من عذراءً لتأكيد حقيقة لاهوتية المسيح وكما يقول القديس اثناسيوس الرسول "الكلمة فى كلمة قد اتحد بالإنسان فى كله".

وفى هذا الكيان الجديد صارت هناك إمكانية أن يأتى الله ويسكن قلب الإنسان فعلاً وحقيقة وهذا هو امتياز وفخر المسيحية بل وانفرادها حيث يتلاقى الخالق والمخلوق فى تواصل تم فيه تحقيق الوعد الإلهى القديم (تك3: 15) فى ملء الزمان بعد أن طال انتظار واشتياق الإنسان نحو ذلك حتى كانت العذراء فخر جنسنا هى الهدية التى قدمها البشر لله لتكون معمل الاتحاد الإلهى ونقطة الالتقاء بين السماء والأرض – بين الله والإنسان – بين العهد القديم والجديد.

وها نحن نرى طائفة الرعاة فى براءتهم وبساطتهم بل ونقاوتهم يسعون نحو الإله المتانس وليداً صغيراً فى مزود صغير يصير هو بؤرة اهتمام كل الخليقة... السمائيين بالتسبيح والرعاة بالإعلان والمجوس بالهدايا والسماء بالنجم والأرض بالحيوانات.. لقد صار معنا أى حل بيننا وصار فينا متحداً بالإنسان المؤمن وصار لنا نعمة التبنى فنكون أبناءه الأحباء وندعوه "ابانا" فى كل حين.

ثالثًا العمق الجديد: المحبة
فالله محبة وبمحبته أخرج الأرض من العدم إلى الوجود، ووهب الإنسان صورته ومثاله، ولكن الإنسان اختار الضعف، وأوجد نفسه خارج الفردوس طريداً بلا خلاص.

ولكن الله لم يخلق ليدين ويهدم بل ليخلص ويخلد (يو 3 : 17) فكانت البداية هى تجسده لأنه "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3: 16).

فالله عندما خلقنا عرفنا أنه يحبنا ولكن عندما تجسد عرفنا انه يحبنا جداً محبة لا تحد ولا توصف بل تتحدى أفهامنا وإدراكنا ومعارفنا..
فالميلاد أعطانا بعداً روحياً أو وصفاً روحياً فائق العمق لم يختبره الإنسان من قبل، لقد نلنا نعمة التبنى، وصرنا بالحقيقة أبناء الله "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أى المؤمنون باسمه"يو 1: 12 فقد حل الابن الكلمة فى وسطنا وصار بكراً بين أخوة كثيرين (رو8: 29).

وهذا العمق الجديد نراه واضحاً فى كل الذين اجتمعوا حول المذود، فمثلا فى يوسف النجار الشيخ الوقور حامل استقامة العهد القديم وحارس سر التجسد، كذلك مريم العذراء المختارة دائمة البتولية حاملة صورة العهد الجديد وخادمة سر التجسد، كذلك نراه فى إصرار المجوس الغرباء الباحثين عن الحقيقة والذين قدموا أتعابهم واجتهادهم وأوقاتهم قبل أن يقدموا هداياهم الثمينة من الذهب والمر واللبان.

حتى الملائكة فى تسبيحها تعطى المجد لله فى الأعالى لأنه تجسد وتعلن السلام على الأرض لأنه صلب ثم تفرح كل الناس لأنه قام
وهذا العمق الجديد بالميلاد هو بدء أفراح موكب الخلاص وانتهاء الخصومة بين الله والبشر، وها قد صارت المصالحة.



الجريدة الرسمية