رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

وصية الشافعي لهارون الرشيد


طلب هارون الرشيد من الإمام الشافعي أن يوصله، فقال له الشافعي: "ما دمت قد طلبت الوصية إذا فاخلع رداء الكبر عن عاتقك، وضع تاج الهيبة عن رأسك، وانزع قميص التجبر عن جسدك، وفتش نفسك، وانشر سرك، وألقِ جلباب الحياء عن وجهك مستكينا بين يدي ربك، حتى أكون لك واعظا عن الحق، وتكون مستمعا بحسن القبول فينفعني الله بما أقول، وينفعك بما تسمع".


فقال الرشيد: "أما إني قد فعلت وسمعت لله والرسول وللواعظين بعدهما فعظ وأوجز".. فقال الشافعي: "أيا أمير المؤمنين اعلم أن الله جل ثناؤه امتحنك بالنعم وابتلاك بالشكر، ففضل النعمة أحسن لتستغرق بقلبها كثيرا من شكرك، فكن لله تعالى شاكرا، ولآلائه ذاكرا، تستحق منه عز وجل المزيد.

واتق الله في السر والعلن تستكمل الطاعة واسمع لقائل الحق، وإن كان دونك تشرق عند الله، وتزد في عين رعيتك واعلم أن الله سبحانه وتعالى يفتش سرك، فإن وجده بخلاف علانيتك شغلك بهم الدنيا، وفتق لك ما يزنق عليك، واستغنى الله، والله غني حميد، وإن وجد الله سبحانه سرك موافقا لعلانيتك أحبك وصرف هم الدنيا عن قلبك، وكفاك مؤنة نظرك لغيرك، وترك لك نظرا لنفسك، وكان سبحانه المقوي لسياستك. 

ولن تطاع إلا بطاعتك له تعالى، فكن له طائعا تكتسب بذلك السلامة في العاجل، وحسن المنقلب في الآجل (فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون).

واحذر الله، حذر عبد عرف مكان عدوه وغاب عنه وليه، فتيقظ خوف السري، ولا تأمن من مكر الله لتوالي نعمة عليك، فإن ذلك مفسدة لك وذهاب لدينك، وعليك بكتاب الله الذي لا يضل المسترشد به، ولن تهلك ما تمسكت به فاعتصم بالله تجده تجاهك، وعليك بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، تكن على طريقة الذين هداهم الله فبهداهم اقتده.

وما نصب الخلفاء المهديون في الخراج والأراضين والسواد والمساكن والديارات، فكن لهم تبعا، وبه عاملا راضيا مسلما، واحذر التلبيس فيه، فإنك مسئول عن رعيتك. وعليك بالمهاجرين والأنصار الذين تبوءوا الدار والإيمان فأقبل على محسنهم، وتجاوز عن مسيئهم، وآتهم من مال الله الذي أتاك، ولا تكرههم على إمساك عن حق، ولا على خوض في باطل..

فإنهم الذين مكنوا لك البلاد واستخلصوا لك العباد، ونوروا لك الظلمة، وكشفوا عنك الغمة، وقلدوك الرئاسة، وكن لله كما تحب أن يكون لك أوليائك من العامة من السمع والطاعة، فإنه ما ولي أحد على عشرة من المسلمين فلم يحطهم بنصيحة إلا وجاء يوم القيامة ويده مغلولة إلى عنقه لا يفكها إلا عدله..

وأنت أعرف بنفسك"..

فبكى هارون الرشيد بكاء وعلا نحيبه، وبكى من كان بالمجلس.. وأراد أحد الجلساء أن يُسكت الشافعي. فأقبل عليه الشافعي اسكت أخرسك الله لا تُذهب بنور الحكمة يا عبيد الرعاع وعبيد الصوت والعصا. انتقم الله منكم لتلبيسكم الحق عليه أما والله ما زالت الخلافة بخير ما منع عنها أمثالكم، ولن تزال بشر ما اعتصمت بكم، فرفع الرشيد رأسه وأشار إليهم أن كفوا..

وأقبل على الشافعي وقال له: "لقد أمرت لك بصلة من المال فاقبلها".. فقال له الشافعي: "كلا والله لا يراني الله تعالى قد سودت وجه موعظتي بقبول الجزاء عليها، ولقد عاهدت الله أني لا أحبك بملك من الملوك تكبر في نفسه وتصغر عند ربه"..
Advertisements
الجريدة الرسمية