رئيس التحرير
عصام كامل

خريطة مراكز علاج الإدمان المشبوهة..القاهرة الكبرى الأكثر استحواذا.. مصحة الفتيات بـ«قرية أحمد عرابي» على طريق الإسماعيلية «ممنوع الاقتراب».. وليلة «المبيت» في مصحات «

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

«مصائب قوم عند قوم فوائد».. هكذا يمكن وصف ما تشهده القاهرة الكبرى خلال الآونة الأخيرة، وتحديدًا فيما يتعلق بتزايد معدلات مراكز علاج الإدمان غير المرخصة، التي وجدت سوقًا رائجًا لها، بعدما اصطدم عدد كبير من راغبي التخلص من شبح الإدمان بـ«قوائم الانتظار» الطويلة في المراكز الحكومية، والأسعار المبالغ فيها داخل المراكز الخاصة «المرخصة»، فما كان منهم سوى اللجوء إلى مراكز «بير السلم» طعمًا في تحقيق حلم الشفاء.


«مراكز الإدمان المشبوهة» تنتشر في منطقتى الهضبة الوسطى وعباد الرحمن بالمقطم، ومدينة الشروق والتجمع الخامس وحدائق الأهرام وشبرامنت والعبور، وهناك أنواع منها، فيوجد مراكز لا تقبل سوى النساء، وفى الغالب تكون في مناطق بعيدة عن أي كتل سكنية، أو في أطراف المحافظات للحفاظ على سرية علاجهن، حيث توجد بعض الفيلات بمنطقة عباد الرحمن بالمقطم لعلاج الفتيات، وتوجد فيلا أيضا لفتيات الطبقة الراقية، بقرية «أحمد عرابى» على طريق مصر الإسماعيلية الصحراوى، ويغلب عليها الطابع الحضارى فهى عبارة عن فيلات سكنية ومزارع حيوانية محاطة بأسوار حديدية لها في معزل عن مدينة العبور التابعة لها.

بداية.. «ف. ج» مدمن، لم يستكمل رحلة علاجه، أكد أن أصحاب السوء كانوا السبب في تعاطيه «الاستروكس»، لافتا إلى أن حجزه بمصحة للعلاج كان أمرا ضروريا، لكن تكاليف العلاج داخل المصحات الخاصة لم تكن في مقدرة والده، لذلك سأل والده كل من يعرفهم حتى استدل على مصحة غير مرخصة أسفل بير السلم بحدائق الأهرام.

«ف» أشار إلى أنه رغم خوفه من رحلة العلاج، إلا أنه كان لديه إرادة في ذلك، فذهب مع والده للمصحة، حتى يخرج من جسمه هذه السموم ويعود طبيعيا كما كان من قبل، «أول ثلاثة أسابيع كانوا أصعب مرحلة لأنها مرحلة الديتوكس، وهي التي يتخلص فيها الجسم من المخدر»، مشيرا إلى أنه كان يتم حرمانهم من الأكل كنوع من أنواع العقاب، فضلا عن بعض جلسات التعذيب.

وأضاف: أحد النزلاء أثناء جلسة التعذيب توفى، وبالفعل جاءت الشرطة وقبضت على كل من في المصحة حتى المرضى، ومن ضمنهم أنا، «خرجت بأعجوبة الحمد الله وبعد ما خرجت عرفت إني اللي في المصحة متعافين وبيطبقوا تجربة شفائهم معانا»، لافتا إلى أنه يبحث عن مصحة حكومية للعلاج بها لضمان وجود أطباء نفسيين.

تجدر الإشارة هنا إلى أن انتشار مراكز علاج الإدمان غير المرخصة، إلى جانب كونه «بيزنس»، فإنه ازدهر بسبب صعوبة استخراج تراخيصها التي من ضمنها أن يكون المبنى إداريا وليس سكنيا، فضلا عن إجراءات الحصول على تراخيص من وزارة التضامن الاجتماعى، ممثلة في المجلس القومى للصحة النفسية، ووزارة الصحة والسكان، ممثلة في إدارة العلاج الحر، وترخيص منشأة طبية، لذلك فإن المخالفين يؤجرون وحدات أو فيلا سكنية، ويشترون أجهزة تحاليل طبية وأشرطة تحاليل مخدرات.

وتختلف أسعار هذه المراكز فمنها مراكز على مستوى عالٍ وبأسعار باهظة لكنها غير مرخصة نظرا لكثرة إجراءات الترخيص، وهناك مراكز أسعار العلاج بها في متناول البسطاء، لكن يكون الإهمال فيها سيد الموقف، ففى المراكز الـ«فايف ستار» يترواح المبيت لليلة الواحدة ما بين 2: 3 آلاف جنيه، فضلا عن دفع مبلغ تأمينى قد يصل إلى 10 آلاف جنيه، أما في مراكز «الغلابة» فيترواح سعر مبيت الغرفة من 200 : 900 جنيه كحد أقصى.

داخل قرية أحمد عرابى بالعبور، حيث الهدوء التام، الذي اعتاد عليه سكانها، القرية لم يدخلها سوى أصحاب المزارع والفيلات فقط، توجد مصحة لعلاج الفتيات، وهي من أغلى المصحات نظرًا لما تقدمه من خدمات أشبه بالمنتجعات السياحية.

« ه. ح» قاطنة بفيلا مجاورة للفيلا التي تم تأجيرها كمصحة، قالت: الفيلا كانت تسكنها عائلة وفجأة تم بيعها لسيدة قامت بتأجيرها لصاحب المصحة بـ 20 ألف جنيه شهريا، والمصحة يأتى لها فتيات من الطبقة الراقية، لذلك يحرص آباؤهم على علاجهن في مكان بعيد عن أعين الجميع.

وتابعت: المصحة نظرا لأنها للبنات «الهاى» فهناك حفلات يتم إقامتها يوميا على حمام السباحة، وهو ما يزعجنا طوال الليل، حيث الأغانى والرقص، لكن لا يوجد تعذيب في المصحة، « مسمعناش ولا مرة أصوات تعذيب بس على طول حفلات ورقص والمصحة كاشفة البيت»، وأخشي أن يشاهد أولادي ما يحدث داخل المصحة ويتجهون بعد ذلك للإدمان.

أما في المقطم فقد كشف على عبد الله، أنه أمام العقار الذي يقطن به بالهضبة الوسطى تقع مصحة، موضحا أنه منع أطفاله من الوقوف بالشباك أو البلكونة، بسبب نوم أحد المرضى عاريا، هذا بخلاف زجاجات الخمور والسرنجات التي تكون متواجدة أمام بوابة العقار المواجهة لهم.

وأوضح أن الهضبة الوسطى يوجد بها أكثر من خمس مصحات، والسبب هو جشع المواطنين في تأجير وحداتهم السكنية دون النظر لمن يستأجرون، لافتا إلى أنه هناك مصحة تستأجر عقارا كاملا بـ30 ألف جنيه في الشهر، مؤكدا أنه ليس ضد تواجد هذه المصحات ولكن تواجدهم في وسط الكتل السكنية يجعلهم غير آمنين على أطفالهم.

مصدر داخل مكتب محافظة القاهرة، أكد لـ «فيتو»، أنه لا يوجد حصر لهذه المصحات، وأن الحى يعلم بتواجدها بعد شكاوى الأهالي، مشيرًا إلى أنه هناك جهات عديدة هي المختصة بغلق هذه المصحات كوزارة التضامن أو وزارة الصحة ووزارة الداخلية.

وأكمل: غالبية الأهالي يشكون هذه المصحات إما بأقسام الشرطة أو المجلس القومى للصحة النفسية، كما أن قرارات الغلق تخرج من هذه الجهات ويكون مسئولا من الحى متواجد أثناء الحملة.

في السياق.. أكد اللواء وجدى زقزوق، رئيس حى المقطم، أن قرارات الغلق تصدر من وزارة الصحة أو وزارة التضامن، ويتم إرسالها إلى الحى لتنفيذها، والحى ليس لديه حصر بهذه المراكز، كما أنه من الصعب شن حملات لغلقها، حيث إنه لن يكون من المعقول البحث عنها، ولهذا يتم التعامل وفقا لشكوى تقدم بها الأهالي ويتم التحرك على أساسها.

من جانبه قال الدكتور عبد الرحمن حماد، استشاري علاج الإدمان، المدير السابق لوحدة إدمان العباسية: صعوبة تراخيص مراكز طبية مؤهلة ومتخصصة لعلاج الإدمان سبب رئيسي في انتشار مراكز بئر السلم، ما يفتح الباب أمام المتعافين من الإدمان من فتح مراكز خاصة بهم يتم التعامل معها كأنها سبوبة.

وأكمل: مع وجود قوائم الانتظار في الأماكن الحكومية، زادت الحاجة إلى المراكز الخاصة، كما أن مراكز بير السلم بها العديد من المخالفات منها الضرب أو الإهانة أو عدم العلاج، والتعنت في استصدار التراخيص يجعل الأطباء يصرفون النظر عن فتح مراكز خاصة، وتزيد المراكز المخالفة التي لا تدفع لها ضرائب أو رسوم تراخيص وبعيدا عن عيون الرقابة بدلا من إتاحة الفرصة لعدد أكبر من الأطباء لفتح مراكز تحت الرقابة والعمل في النور وتوفير أسرة ورعاية للمرضى.

المدير السابق لوحدة إدمان العباسية، كشف عن وجود ٣ أنواع من التراخيص لترخيص مركز طب نفسي وعلاج إدمان وهي ترخيص النقابة لكل من المدير الفني والأطباء والتمريض والمعاينة والأسرة، وترخيص المجلس القومي ولا توجد أية مشكلة في الحصول عليه، وأخيرا ترخيص إدارة العلاج الحر بوزارة الصحة والذي يضع اشتراطات كثيرة أصعبها أن يكون المبنى الإداري، ويتم رفض الترخيص إذا كان المبنى سكنيا، وهذا الشرط في القاهرة فقط وتكمن مشكلته في تأجير مبنى سكني أو الإيجار مثلا ٤٠ ألف جنيه بينما في حالة ما إذا كان المبني إداريا يصل إيجارها إلى 200 ألف جنيه وهو ما يوثر على ثمن الخدمة المقدمة، وهو ما يدفع المرضى للذهاب للأماكن غير المرخصة لأنها أرخص، ولهذا يجب إلغاء هذا الشرط في محافظة القاهرة أسوة ببقية المحافظات.

وأشار إلى أن فوائد تسهيل التراخيص تشمل زيادة عدد الأسرة في ظل النقص الحكومي وتحصيل ضرائب لأن المركز غير المرخص لا يدفع ضرائب وتشغيل المتعافين بها.

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية