رئيس التحرير
عصام كامل

جملة جنسية بحتة


المرأة في الشارع المصرى جملة جنسية بحتة، حيث يمتلك المجتمع الآن أفكارا عدوانية اقتناصية من الرجل للمرأة، وذلك التقلب حدث من عصر قريب جدا، فقد تحولت علاقة الرجل بالمرأة من علاقة غزل وحب وعطاء ومساندة إلى علاقة اقتناص واعتداء ورؤية تشملها الإدانة الأخلاقية والجنسية أيضا.. ولا أستطيع أن أجزم هل نتج ذلك عن تطرف ديني أو نتج عن ظروف اجتماعية مليئة بالضغوط الاقتصادية والنفسية، مما لا يسمح للفرد بممارسة مشاعره الإنسانية وغرائزه السوية بشكل طبيعي.


أو أنها أفكار اجتماعية تم بثها بشكل ما، ثم أصبحت جزءا عقيديا داخل الأفراد.. فنظرة على تاريخ السينما سنجد أنه في فترة الستينيات كما تسمي كانت الأفلام تطرح في معظمها علاقات حب رومانسية، وكان شكل البطلة حينذاك امرأة راقية الجمال أنيقة بأنوثة غير فجة في ملابسها أو مكياجها وصوتها وأدائها التمثيلي أيضا.

تحتوى الأفلام على مجموعة من اأاني الحب الرقيقة المفعمة بالغزل، ثم حدثت نقلة في التسيعينيات والثمانينيات إلى أفلام أولا هزلية بها جزء كوميدى هزلى وجزء جنسي هزلى أيضا، ثم أصبحت أفيشات الأفلام تطرح أسماء أفلام عبارة عن المنحرفة.. الاغتصاب.. وهكذا كلها تحولت فيها البطلة إلى جسد، وحولت الرجل إلى مهاجم جنسي.. وبدأت تظهر النجمات كنجمات إغراء في الشكل والملبس والأداء وتصدرت صورة الأنثي بائعة الرغبات وأصبحت تلك هي الصورة السائدة.

من المؤثرات التي أفضت إلى تركيبة اجتماعية دخيلة على المجتمع المصرى هي الهجرة والعمل بالخليج، حيث تشكل الأفراد بثقافات اجتماعية بدوية مختلفة عما كانت عليه مجتمعاتنا سابقا، ومع هذه الثقافات واضطراره للسفر للعمل وهجر أسرته سنوات تعتبر نصف عمره أصبح من الطبيعي أن يحدث اضطراب في طبيعة العلاقة مع المرأة.. وبطبيعة الحال يتشكل وجدان مختلف وعلاقات مضطربة لا ينجو منها إلا أصحاب الدعامات الفكرية.

تزامن مع ذلك ظواهر كانت جديدة هي الأخرى على المجتمع كانت بمثابة مؤثر جوهرى في تصنيف علاقة الرجل بالمرأة، وهي هجوم البرامج الدينية التي كانت معنية في معظم الأوقات بالحديث عن جسد المرأة والزنا والمحارم والنكاح والجائز والمحرم في علاقة الرجل والمرأة.. عن الثواب والعقاب لكل من يفكر بالمتعة والمشاعر.. وبالتالى أصبح جسد المرأة هو العدو الحقيقي، ومن المنطقي أن ينتج عن ذلك كبت جنسي ونفسي، واتجاهات غير طبيعية للإثارة نحو جسد الأنثي سواء المحجبة التي تخفي فتثير الشغف أو السافرة التي تعرى فتثير الشهوة... كلها مواضع للإثارة غير طبيعية وفي غير محلها في التعامل العام اليومي للحياة.. وكلها ظهرت إلى السطح عندما عاش المصريون في الخليج وتعلموا أن المرأة تكشف عند طبيبة والرجل عند طييب، فترسخت الأفكار الجنسية المطلقة في غير موضعها.

ظهر كذلك في الفصل بين الأولاد والبنات في الفصول التعليمية، هو إذن هاجس اجتماع الذكر بالأنثي في مكان عام حتى لو كان فصلا دراسيا.

كانت الابتسامة المخفية هي رد فعل طبيعي للست عندما تسمع عبارات الغزل في صورة معاكسة لطيفة، أما الآن فنجد أنواعا من التحرش والاغتصاب المعلن والاعتداء على النساء بالضرب والسب.. نحن نشهد عصرا يتعامل فيه الرجل مع المرأة على أنها فريسة ينتظر الانقضاض عليها ويحمل تجاهها عداء ليس له مبرر...

جسد المرأة أصبح يشغل الرجل بطرق أصفها بالجريمة أكثر مما سبق في التاريخ، إما يشغله من منظور ديني بأنه عورة، ويجب أن تدفن تحت أطنان الملابس، وله فيه حق إجبارى بالامتلاك الشرعي ربما يصل للإكراه أيضا، أو يشغله جنسيا بعيدا عن الالتزامات العاطفية السوية والشكل الاجتماعي الذي يعطي حقوقا للمرأة.

جسد المرأة أصبح يمثل للرجل عدوا يهاجمه في الشارع ووسائل المواصلات ويستفزه، وبالتالى له الحق في مهاجمته والاعتداء عليه..
يشغل جسد المرأة طبقة من الشواذ نفسيا، الذين يرون أن كل جسد جميل وتظهر ملامح جماله هو يعبر عن عاهرة خارجة عن منظومة الأخلاق، وإما يسبها أو يحتقرها أو يستبيحها استباحة مطلقة، ونتاج كل ذلك ستكون بالتأكيد زوجة هذا الرجل امرأة تستحق أن يخونها أو يحبسها بالمنزل بعيدا عن الناس، أو يفرض عليها الحجاب لحمايتها فهو لا يثق فيها مطلقا عقليا وأخلاقيا. وأنها ليست صاحبة حقوق ، لأنها عدو ومن بسلب العدو حقه هو بطل.. فهى بالنسبة له كيان لابد أن يقهر ويتم تشويهه واستغلاله..

أصبحت المرأة في الشارع المصرى جملة جنسية وليست حميمة، ويجب الاعتداء عليها بكافة السبل النفسية والجنسية والقانونية (قضايا الطلاق). 

نحن أمام ظاهرة اجتماعية خطيرة لابد أن يتم علاجها قبل أن تدمر الأسرة والمجتمع كله.. جسد المرأة في حقيقة وجوده هو قطعة فنية جمالية من إبداع الخالق وضع به كل ممالك الجمال، هو منبع للجمال البصرى والروحي والحسي، هو منحه فريدة في شكل مقطوعة جمالية، فليتقدس جسد المرأة ولتتقدس جمالياته.
الجريدة الرسمية