رئيس التحرير
عصام كامل

أحمد البرعي: هذه حقيقة سرقة يوسف بطرس غالي لأموال التأمينات


  • هناك 5 ملايين موظف لا تحتاج لهم الدولة
  • قانون الخدمة المدنية لن يقضي على تكدس الجهاز الإدارى بالدولة
  • أرصدة بعض المسئولين "الوسطاء" في عملية الخصخصة تضخمت بشدة
  • أرفض أي منصب يبتعد عن مصلحة الناس
  • تفتت الأحزاب وضعفها سببه مشكلاتها الداخلية
  • أقول للحكومة "المجتمع المدني ليس عدوا بل شريك"
  • أوضاع العمال تسير للأسوأ والنقابات المستقلة تتعرض للحرب
  • الجهاز الإدارى للدولة في الوقت الحالي أصابه الوهن
  • لست حزينا للإطاحة بمشروعي حول قانون الجمعيات الأهلية
  • من الأفضل تمويل العمل الأهلي عن طريق وزارة التضامن
  • أموال المعاشات لم تُسرق وعملت على استردادها
  • أثمن مساعي النائب السادات نحو تحسين حالة حقوق الإنسان

شارك بالحوار: إيمان مأمون – أحمد عبد المحسن – حمدى بكرى
أعده للنشر: هند نجيب - منى عبيد
عدسة: ريمون وجيه

خاض معارك من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، انحاز للفقراء ورفض كل أنواع المحسوبيات عندما تقلد منصب وزير القوى العاملة في أعقاب ثورة يناير في حكومة الدكتور عصام شرف، وضع العدالة نصب عينيه فاستطاع أن يوفر لميزانية الدولة مليونا ونصف المليون جنيه شهريا بعد أن استغنى عن المستشارين وعدد من سيارات الموكب الوزارى حتى أنه قلص من أعداد الجرائد في الوزارة واكتفى بنسخة من جرائد ثلاث فقط، اقترب من العمال وعمل على حل مشكلاتهم وعندما تولى حقيبة التضامن الاجتماعى عمل لصالح الفقراء وحاول استرداد أموال المعاشات باللجوء للقضاء إلا أن خروجه من الوازرة لم يمهله لاستكمال مشروعاته.
إنه الدكتور " أحمد البرعى " وزير القوى العاملة والتضامن سابقا ونائب رئيس حزب الدستور والقيادى بالتحالف الديمقراطى الذي استضافته "فيتو" في حوار حول قراءته للأوضاع على الساحة السياسية الآن وإلى التفاصيل:

*ماذا قدمت للعمال فترة توليك وزارة القوى العاملة؟
دعوني أقل إنني كنت من أوائل المتنبئين بثورة العمال منذ عام 2008، التي بدأت بانتفاضة عمال مصنع الغزل والنسيح بالمحلة الكبري والتي تعد الشرارة الأولى لثورة يناير، وفي أعقاب الثورة وجدوا فيها الفرصة لمطالبة بحقوقهم، وشهد 2011 كثرة الإضرابات، فقد عاصرت ثلاثة إضرابات ضخمة وهم " النقل العام، وقناة السويس، والمحلة الكبري " وعند دخولي الوزارة اتبعت مع العمال سياسة التفاوض والحوار، وكانت قوات الأمن احتجزت عددا من العمال ورفضت التفاوض قبل الإفراج عنهم وبالفعل تم إطلاق سراحهم بعد ساعات قليلة من احتجازهم عندما تقلدت المنصب كان برنامجي عبارة عن 4 مشروعات وأنا في فترتي الوزارية، وهم " إقرار الحد الأدنى للأجور بـ750 جنيها، والتأكيد على الحريات النقابية وتعزيز حق التفاوض، التأهيل من أجل التشغيل، الحوالة الصفراء للعمال المصريين الذين كانوا يعملون في العراق ".

*ما ردك على الانتقاد الموجه لعمال مصر أنهم السبب وراء تراجع الإنتاج والتصدير؟
الحكومة المصرية لديها مشكلة ضخمة في إدارة القطاع العام التي تبلغ أجور العاملين به 400 مليار جنيه شهريًا، في ظل الخسائر الفادحة رغم أنها كانت من الصناعات الرائدة والمتقدمة في مصر والتحول إلى 3 سياسات كانت سببا رئيس في التضحية بالصناعات التي كانت تتميز بها مصر وبخاصة عقب اقتصاديات السوق الحر والاتجاه نحو تصدير المواد الخام.

*ولماذا فشلت تجربة إحياء مصانع وشركات القطاع العام التي تم خصخصتها وعادت إلى الدولة؟
لم تكن هناك رغبة حقيقية في إعادة تشغيل هذه المؤسسات الوطنية،وحجم الفساد في عملية بيع كان ضخما وهذا ما كشفت عنه تفاصيل القضايا وهي منظورة أمام المحاكم، مصانع تم بيعها بنصف قيمتها والباقي دخل إلى أرصدة المسئولين الذين لعبوا دور الوسيط.

*ما الأسباب الرئيسية وراء محاربة الدولة للنقابات المستقلة؟
النقابات المستقلة تُحارب في مصر وبشدة، وترجع طبيعة العلاقة بين الدولة والنقابات منذ عام 1957، عندما تشاور مجلس قيادة الثورة حول وضع النقابات ونشاطتها، وبخاصة أنها كانت في أوج قوتها فترة ما قبل الثورة واستقر بهم الأمر في نهاية المطاف إلى تقييد وتقليص دور النقابات شأنها في ذلك شأن الأحزاب والعمل على إنشاء كيان يرتبط بالدولة ويعمل تحت سلطتها ومظلتها فيما عرف بـ« اتحاد نقابات مصر »، منذ ذلك الحين اتحاد عمال مصر ارتبط هيكليا بالدولة، وبالتالي رفض الاتحاد التضحية بهذه الامتيازات التي حصدها على مدى ما يقرب من ستين عامًا.

*كيف تقيم لقانون الخدمة المدنية وهل يستطيع أن يتغلب على التكدس بالجهاز الإدارى بالدولة؟
القانون كان ضروريا، فهناك 7 ملايين موظف في الجهاز الحكومي ونحتاج إلى 2 مليون فقط، وهناك 5 ملايين موظف في الحكومة لا تحتاج لهم الدولة، فعندما اتخذنا قرار تأميم الشركات في فترة الستينات توقفت الاستثمارات الخاصة بما ترتب عليها عدد من النتائج، أهمها أصبح القطاع الخاص لا يخلق فرص عمل، وكى نوفر فرص عمل لخريجي الجامعات والمعاهد المتوسط، اضطرت الحكومة أن تتخذ قرارا للخريجين بأن كل من يحصل على شهادة التخرج يتجه إلى مجمع التحرير وتسليم شهادته وطلب التحاق بالعمل وبعد أسبوعين أو ثلاثة يستلم قرارا بالتحاقه بوظيفة ب"أحد الجهات الحكومية سواء كان يناسب شهادته أو لا يتقاضى راتبا دخل وظل الأمر على هذا الحال وحدث تكدس في إعداد الخريجين وإعداد العاملين حتى أصدر قرار بإيقاف العمل بالتعيين التلقائي بشهادة التخرج عام 1984، في عهد الرئيس أنور السادات الذي أتخذ سياسة " الاقتصاد المختلط"، وترتب عليه أن التكدس داخل جهاز الحكومي قل تدريجيا خاصة إن القطاع الخاص عاد للعمل.

*هل ساهم تعيين أبناء العاملين بالقطاع الحكومي في زيادة نسبة العاملين بالجهاز؟
بالتأكيد فعندما حدث التكدس في الجهاز الإداري للحكومة، تم تخفيف بشكل تدريجي في اعداد الموظفين في فترة عام 1984 إلى 1992 عندما خلق القطاع الخاص فرص عمل، وبعد ذلك قلبنا الدفة وأصبحنا نعمل على سياسة اقتصاد السوق بدلا من الاقتصاد المختلط وهو ما ترتب عليه البيع للقطاع الخاص واتجاه الموظفين إلى المعاش المبكر، كما لم يكن لدى الحكومة تخطيط للصناعات التي تحتاجها أو خطة موضوعة للمشروعات، وأتت في ذلك الوقت صناعات من الخارج مستغلة قوانين الاستثمار وانتشرت الصناعات الغذائية الخفيفة "البيبسي والشيبسي والكوكاكولا" وهى غير منتجة في اقتصاد قوي يقوم على الصناعات الثقيلة، كما لم يتم احتساب واستغلال الحكومة للقوة البشرية التي لديها.

*هل سينظم قانون الخدمة المدنية عملية التعيينات في الحكومة ؟
الحقيقة القانون لن يستطع أن يغير أو يتغلب على المحسوبيات والواسطة إلا في حالة تغيير الضمير الإنساني، فمحاولة الإصلاح الخاصة بقانون الخدمة المدنية لم تكن المرة الأولى، ففي منتصف التسعينات أوقفت الحكومة التعيين نهائيا وعدم اعتماد أي ميزانية جديدة والسماح بالمعاش المبكر بما أدى إلى ظهور قضية العاملين المؤقتين بنفس الدرجة الوظيفية، وتعيين موظف بصفة مؤقتة بعقد ويتم صرف مرتبه من أي مورد مؤقتا، حتى إحالة موظف للمعاش بنفس الدرجة وكانت النتيجة ظهور آفة أصعب منها وهي الصناديق الخاصة لمواجهة تلك التعيينات من غير ميزانية الدولة لتتجاوز أعداد العاملين المؤقتين مليونا ونصف المليون موظف، وإصلاح المواطنين يحتاج إلى شرح الإجراءات التي تتخذها الحكومة لهم، نحن في أزمة تراكمت منذ عام 1952، وأعيب على إجراءات الحكومة أنه كان يجب صدور عدد من حملات التوعية بقانون الخدمة المدنية توضح لهم أننا في مرحلة أصبحت المشكلات معقدة خاصة أن المواطنين فقدوا الثقة في الحكومة.

*كنت من أول الرافضين للأوضاع العمالية داخل مصر قبل 25 يناير.. هل تغيرت هذه الأوضاع؟
للأسف لا بل ساءت فعندما كنت وزيرا للقوي العاملة كنت كثير النزول للتجمعات العمالية، ومن خلال مناقشتي مع العمال أدركت أن لديهم وعيا بالمشكلات وكيفية وضع حلول لها أكثر من آخرين حاصلين على الدكتوراه، لكن الآن لا أحد يسمع للعمال أو يهتم بمشكلاتهم وهذا ما يتسبب في دعوات الإضراب عن العمل وغيرها.

*هيكلة الجهاز الإداري من خلال خطة قانون الخدمة المدنية.. كيف تتم ؟
ما أستطيع تقديمه من نصائح في ذلك الشأن أننا سنجد أن أعداد السائقين والفراشين في أي جهاز كثيرة جدا لأنها وظائف لا تتطلب مهارات خاصة، كما نجد أن المباني الحكومية في وضع أسوأ من ناحية الكهرباء والسباكة والحوائط، ما الذي يمنع إن نستخدم تلك العمالة الزائدة ونقوم بتدريبها لإصلاح مباني الدولة فيجب تدريب عدد من الخريجين الذين لم يواكبوا الطفرة التكنولوجية الآن لتقديم نوعية خدمات أكثر أما فيما يتعلق بتحويل بعض الهيئات إلى شركات مملوكة للدولة يجب أن يتم دراستها دراسة متعمقة وأعتقد أن الدكتور أحمد درويش، رئيس الهيئة الاقتصادية قد أعد دراسة في ذلك الشأن.

*قدمت قانون الجمعيات الأهلية وحاز على موافقة المجتمع المدني وتم رفضه بعد ذلك بدون أسباب، ما تقييمك للقانون الحالى الذي أقر من قبل مجلس الشعب مؤخرا ؟
أكثر المشكلات التي نعاني منها أنه ليس هناك توجهات أساسية أو سياسات لأي حكومة، فمن المفترض أن تظل تلك السياسات موجودة رغم تغيير الوزير، وبمجرد خروجى من الوزارة قاموا بالإطاحة بمشروعي حول قانون الجمعيات الأهلية وأشياء أخرى كثيرة والفكرة الأساسية التي كانت لدى لقانون الجمعيات الأهلية أن الجهاز الإدارى للدولة في الوقت الحالي أصابه الوهن ولا يستطيع أن يقدم جميع الخدمات اللازمة لجميع المواطنين، خاصة أنه يحتاج خدمات في الصحة والتعليم وأحسن من يكمل هذا هو المجتمع المدني ويجب أن ينظر إليه، فالحكومة يجب أن تفهم أن المجتمع المدني ليس عدوا ولكنه مكمل وشريك لها، إذا تم فهم هذا اللغط أعتقد أننا سنكون قادرين على حل جميع التناقضات حول مشاريع القوانين المقدمة ولا أشعر بالحزن للإطاحة بمشروعي حول قانون الجمعيات الأهلية وأعتقد أن الحالة التي فيها مصر ستؤدى إلى صدور قوانين نشعر بالرضا عنها.

*ما تعليقك على الهجوم الذي شنه البرلمان على النائب محمد أنور السادات واتهامه بالعمالة لتعامله مع جهات أجنبية؟
أثمن مساعي النائب محمد أنور السادات وتحركاته نحو تحسين حالة حقوق الإنسان في مصر، فهو رجل عاقل ولديه تجربة، فنحن في أمس الحالة إلى تحسين صورة مصر أمام العالم.

*وما تفسيرك لتراجع قوة الأحزاب وخاصة حزب الدستور على الساحة في الوقت الحالي؟
الدستور لم يكن الحزب الوحيد الذي تراجعت قوته، نحن في مصر نواجه مجموعة من المشكلات الكبيرة التي لا نريد أن نضع حلولا حاسمة لها، ونخطئ لو اعتقدنا أن المشكلات وقعت بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو، وهناك قضايا كبرى يجب أن ننظر إليها واتخاذ مواقف جادة لحلها، ولأكون عادلا فتراجع قوة الأحزاب يرجع إلى وجود مشكلات من الداخل خاصة بقياداتها.

*وأين روح يناير هل فقدناها؟
ثورة 25 يناير لم تحكم في يوم من الأيام، وحتى الحكومات التي أعقبت الثورة لم تمثلها بالكامل ولكن كانت تملك بعض الوجوه الجديدة منها عماد أبو غازي وعمرو حلمي وزيري الثقافة والصحة في عهد حكومة عصام شرف، ولكنهم كانوا أقلية وأعتقد أننا كنا نأمل في تسليم السلطة إلى نظام مدني بعيدا عن نظام الإخوان المسلمين، والتيار المدني ارتكب خطأ فادحا عندما فكك بعضه ورشح خمسة أشخاص بالانتخابات الرئاسية عندما ترشح كل من حمدين صباحي وخالد على وعمرو موسى وأبو العز الحريري وهشام بسطويسي، وكنا وقتها نسعى للتنازل لواحد منهم ويكون منهم نائب واثنين مساعدين لنرضي الجميع، وكل هذا لا يعني فشل ثورة 25 يناير.

*ما حقيقة تورط يوسف بطرس غالي وزير المالية الأسبق في سرقة أموال المعاشات والتأمينات ؟
أموال المعاشات لم تُسرق ولكن أنا رفعت قضية أمام مجلس الدولة عام 2006 لاستردادها، والقصة تعود إلى عام 1981 عندما قررت الحكومة وضع فائض صناديق المعاشات والتأمينات في بنك الاستثمار القومي بفائدة 2 %، وفى عام 1986 ثار العاملون في الدولة لضعف الفائدة، وبناءً عليه أتخذت الحكومة قرارا أن تحدد الفائدة من خلال وزيري المالية والتضامن بأقل فائدة من السعر التجاري، وفى عام 1990 تم إطلاق نسبة الفائدة شأنها في ذلك شأن باقي قروض البنوك حسب سعر السوق، وفى 2004 فكر يوسف بطرس غالي وزير المالية الأسبق في ضم أموال التأمينات إلى الخزانة العامة وفى هذه الأثناء أخذت وزارة المالية 192 مليار جنيه من صناديق المعاشات والتأمينات، وأصبحت الخزانه العامة تصرف المعاشات للعاملين، ليصبح إجمالي الدين 612 مليار جنيه، في عهد حكومة الدكتور حازم الببلاوي تم الاتفاق مع الدكتور أحمد جلال وزير المالية على تشكيل لجنة وبالفعل تشكلت اللجنة وتوصلت إلى مخرجين إما أن تعطي الدول أراض للصناديق وتسدد منها المديونيات، وإما التنازل للتأمينات عن المصانع المشتركة فيها مع الحكومة كلية ولكن لم تكتمل الخطة نظرًا لاستقالة حكومة الببلاوي.

*هل من ممكن أن تقبل حقيبة وزارية للمرة الثالثة في حكومة قادمة؟
نعم من الممكن أن أقبل منصبا وزاريا جديدا الآن، ولكن في حالة واحدة إن أطلقت يدي في اتخاذ إجراءات اجتماعية من شأنها تخفيف أعباء القرارات الاقتصادية الأخيرة، ولكن في حال عدم توافر هذه الإمكانية بالطبع سأرفض أي منصب يبتعد عن مصلحة الناس، التي نزلت إلى الميادين في يناير تطالب بالعدالة الاجتماعية.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لــ "فيتو"
الجريدة الرسمية