رئيس التحرير
عصام كامل

لكي نجفف منابع الإرهاب!! (2)


ألا أنه من أهم مهمات الطبيب الناجح، والذي يصف الدواء الناجع، هي أن يعرف أسباب الداء، وعوامل انتشاره قبل أن يصف الدواء، حتى يمنع تكرار أسبابه، وحتى لا يعاود المرض المريض مرة أخرى، فيفتك به فتكًا.


فإذا لم يعرف الطبيب، أو لم يفهم أسباب المرض ومسبباته، كانت نظرته ضيقة، ورؤيته للأمور قاصرة، ولم يكن علاجه قويًا يقضي على المرض نهائيًا، وإلى الأبد، وإنما كان كالطبيب الفاشل، والخائب، والذي يتعامل مع الأعراض دون الأمراض، ولا تزيد وصفاته على المسكنات، والتي لا تعالج المرض بل تزيده، لأنها لا تجعل المريض يشعر بتفشي المرض، وانتشاره في جسده حتى يقتله!

فإذا لم يكن الطبيب مدركًا إدراكًا تامًا للمرض، وأسبابه، كانت وصفاته خاطئة، فقدْ فقدَ شرطه كطبيب، وتحول إلى طبيب فاشل، بل إلى طبيب قاتل!

والإرهاب بوصفه مرضًا من أخطر الأمراض التي تضرب جسد المجتمعات، يحتاج إلى علاج ناجع يقضي عليه، وإلى الأبد، وليس إلى مسكنات، تكون كالمخدرات من يتعاطها يشعر براحة زائفة، والمرض يسري في جسده كما تسري النار في الهشيم تأكله أكلًا.

فلا بد لنا إن كنا جادين في مواجهة الإرهاب مواجهة شاملة– ولا أَخَالَنا إلا جادين أشدَّ الجِدِّ- ألا نتعاطي المسكنات، وأن نعتمد على العلاج الحقيقي، والناجع الشافي بإذن الله، حتى نقدم لأنفسنا، وللعالم "التجربة المصرية في محاربة الإرهاب"!!

وبناءً عليه فإن من أهم المهمات في مواجهة الإرهاب، ومحاربته هي أن نعرف أولًا لماذا ينتشر الإرهاب، وما هي أسباب، وعوامل انتشاره، ومن ثّمَّ نعمل على معالجة تلك الأسباب، فيبرأ الوجع بإذن الله.

وإن من أعظم أسباب انتشار الفكر المتطرف هي: ثنائية: (الفقر – التخلف)، حيث يستغل أرباب هذا الفكر المتطرف حاجة الناس للمال فيستميلونهم عن طريق توفير بعض الخدمات، ومن ثم يستغلون جهلهم بالتأثير عليهم، وبث هذا الفكر الإرهابي في عقولهم، وقلوبهم!

ولأن هذا الفكر ضحلٌ للغاية، وسطحي إلى أبعد الحدود فإنه يسهل الاقتناع به من قِبَل العقل البسيط، لأنه يقوم بالأساس على تقسيم العالم كله، وبكل تعقيداته إلى قسمين كبيرين:
-قسم فيه الخير، والإسلام، والسلام!
-وآخر فيه الشر، والكفر–زعموا-!
وهو تقسيم سطحي جدًا بطبيعة الحال، ولكنه– والحالة هذه- يتماشى مع عقلية الشباب الهشة، وعقلية البسطاء السطحية التي لا تستطيع فهم، أو تحمل تعقيدات الحياة.

- ومن الأسباب أيضًا، والتي تؤدي لتزايد أعداد العناصر المتطرفة: غياب التنمية الاقتصادية، وتدني الخدمات الحكومية التي تقدمها الحكومات لمواطنيها، ما يؤدي إلى تزايد الحنق، والغضب على الأنظمة الحاكمة، والحكومات في الدول المستهدفة، مما يخلق حالة من فقدان الانتماء للدولة.

ومع استمرار الشحن النفسي، والعاطفي من قبل هذه المجموعات الإرهابية، وغيرها لنفسية المواطن الذي يشعر بكراهية الدولة بسبب شعوره المتزايد بإهمالها له، يجد المواطن نفسه مدفوعًا دفعًا إلى الرغبة في معاقبة الدولة، والانتقام منها، وذلك –من وجهة نظره القاصرة- بالانتماء لأعدائها–أو على الأقل مساعدتهم، أو الرضاء بأفعال، وعدم كراهيتهم، أو استنكار أفعالهم الإرهابية على أساس أن: عدو عدوي: صديقي-!

وهنا يجد المواطن العدو الجاهز الحاضر متمثلًا في أصحاب هذا الفكر المتطرف، فينتمي إليهم!

وهذا السبب من أكبر أسباب انتشار الإرهاب في صعيد مصر خاصة، وذلك بسبب غياب التنمية، ولسبب آخر، ألا وهو تحول صعيد مصر إلى منفى حكومي تنفي فيه الحكومات الموظفين المُراد معاقبتهم، مما يشعرهم بضرورة الانتقام من الدولة التي نفتهم، وعاقبتهم، فينتمون لتلك الجماعات، بالإضافة لأسباب أخرى متعلقة بالصعيد كالطبيعة الجبلية، والعصبيات القبلية، وغيرها من العوامل، والأسباب التي تؤدي لانتشار الإرهاب في صعيد مصر، ولعلنا نفرد لها مبحثًا خاصًا فيما بعد، فالله المستعان.

- ومن الأسباب أيضًا، والتي تؤدي لانتشار الأفكار المتطرفة: حصول التفكك الاجتماعي، حيث إنه، وعن طريق الاستقراء، والدراسة، والتتبع تم ملاحظة أن أصحاب الفكر المتطرف ينتشرون بكثافة في الأماكن التي تقوم على النظام القبلي، والقائم على الانتساب للقبيلة، لا الأسرة، ويقلون في النظام الاجتماعي النووي (المكون من نواة تقوم عليها الأسرة، ألا، وهي الأب، والأم) بسبب توفر الرقابة الأسرية في هذا النظام الاجتماعي، وغيابها –بطبيعة الحال- في حالة النظام القبلي، وهو سبب من أكبر أسباب توغل الإرهاب في مناطق معينة، يؤسس فيها المجتمع على أساس النظام القبلي، من أمثال: شبه جزيرة سيناء في مصرنا الحبيبة، وكذلك في دول أخرى، مثل: ليبيا، واليمن، والقرن الأفريقي، وغيرها من المجتمعات القبلية.

ومن الأسباب أيضًا المؤدية لانتشار الإرهاب، والتطرف: توفر البيئة الحاضنة للإرهاب، كالبيئة الصحراوية، والبيئة الجبلية، والتي تعتبر مأوى مناسبًا لهذه التنظيمات، فبالإضافة لكون هذه البيئة الصحراوية، والجبلية تعد مكانًا ممتازًا، وبيئة حاضنة لهذه المجموعات للتخفي، والاختباء، والبعد عن الأعين المُرَاقِبَةِ، والهروب من الملاحقة الأمنية، فإنها أيضًا تتماشى مع فكر هذه التنظيمات من اعتزال المجتمعات الجاهلية! –زعموا-، والهجرة إلى الجبال، والقِفار، ولهذا نجد سيناء، والصعيد في مصر أيضًا من أكثر الأماكن التي ينتشر فيها هذا الفكر، وكذلك اليمن، وليبيا، وأفغانستان، وذلك بسبب توفر البيئة الحاضنة.

إلى غير ذلك من العوامل التي تؤدي لانتشار الإرهاب، والتطرف كغياب الوعي الديني، وعدم انتشار خطاب ديني حديث يناسب العصر، ويحترم العقلية المعاصرة، وغياب المواجهة الفكرية الحقيقية لهذا الفكر، وعدم العمل على تفنيد الشبهات التي يلقيها أصحاب هذا الفكر على الناس، والشباب مما يدفعهم للانجراف في تيارهم، إلى أسباب أخرى كثيرة تكون سببًا مباشرًا، وغير مباشر في انتشار، وتفشي الإرهاب في مجتمعاتنا المعاصرة، وبهذا نكون قد شخصنا الداء، ووضحنا أسباب المرض، إلا أن الواجب علينا أن نصف الدواء كذلك بعد أن شخصنا الداء.

فلا بد إذن من وصف "طرق مواجهة هذا الفكر"، والتي تتلخص في القضاء على أسبابه، ومسبباته على نحو مما سأبينه –إن شاء الله- في الأسبوع القادم.

وفي الأسبوع القادم للحديث بقية.. إن شاء ربُّ البرية.
الجريدة الرسمية