رئيس التحرير
عصام كامل

اللعب على المرأة من قاسم أمين.. إلى الشوباشي


كتب «قاسم أمين» كتابه الأول مدافعا عن «الحجاب»، ردا على كتاب الدوق الفرنسى «داركور»، المعنون بـ «سر تأخر المصريين» والذي سخر فيه من الحجاب والمصريات المحجبات، ورأى أن الحجاب أهم أسباب تأخر المصريين، وكان مما كتبه «أمين»: «أن ديننا…أوصى بأن يكون للرجال مجتمعهم الذي لا تدخله امرأة واحدة، وأن يجتمع النساء دون أن يقبل بينهن رجل واحد، لقد أراد بذلك حماية الرجل والمرأة مما ينطوى عليه صدرهما من ضعف، والقضاء الجذرى على مصدر الشر»، مضيفا:» «إننا نحس جميعًا أن لنا نظامًا يرسخ من الاتحاد بين الزوجين، فلا نعرف نساءً غير نسائنا، كما لا تعرف زوجاتنا رجالًا غيرنا، وهذا ما يجعلنا أزواجًا متفاهمين…».


وفى هذا الكتاب دافع «قاسم أمين» بقوة عن جميع القواعد الإسلامية الخاصة بالنساء، مثل: تعدد الزوجات، كما دافع عن نظام الطلاق في الإسلام قائلا: «إن حرية الطلاق شيء حسن، وإنها توثق روابط الزواج بدلًا من إضعافها…»، والأغرب من ذلك، أنه هاجم المرأة الأوربية، بقوله: «المرأة الفرنسية حين تتزوج تصبح كائنًا ناقصًا، وترتد إلى الطفولة ثانيا»، وقوله: «تكشف الإحصاءات الفرنسية عن أن 41% من نساء الهوى المعروفات رسميًا قاصرات، وأن أكثر من ربع المواليد المعروفين أبناء غير شرعيين، وأن المجتمع يفقد كل عام مائة وخمسين ألف طفل يُقتلون ساعة ولادتهم أو خلال الحمل»، وقوله: «إن ما هو القاعدة في أوربا -بخاصة فيما يتعلق بخيانة الأزواج- ليس في مصر إلا الاستثناء».

وفى الكتاب ذاته..قال «أمين»: «إن الدين الإسلامى -في إيجاز- ينطوى على أنقى خلق عرفه الناس حتى اليوم، والقرآن كتاب يجمع أحسن الأخلاق»، مضيفا: «إن الأخلاق الإسلامية تخلق رجالًا طاهرى الذيل، قادرين على تخطى أقسى التجارب دون تخاذل، كما أنه يمنحنا زوجات فضليات يضعن شرفهن كله في دعم بيت الزوجية وحسن إدارته»، كما هاجم اختلاط الجنسين هجوما عنيفا، مشددا على أن له مفاسد جمة.

اللافت..أنه فور صدور هذا الكتاب في عام 1899، غضبت الأميرة «نازلى فاضل» كثيرا من «قاسم أمين»، لا سيما أنها كانت في طليعة المتحررات وكانت تخالط الرجال، وكان صالونها مركزا إلى الدعوة إلى التغريب وتحرير المرأة، وأسقط في يد الكاتب المغوار، ولم يهدأ نفسا حتى ذهب إليها معتذرا في صحبة الشيخ محمد عبده وسعد زغلول، ولم يكتف بذلك بل شرع في وضع كتاب «المرأة الجديدة، وفيه انقلب على كتابه الأول تماما.

وبينما كان قاسم أمين في كتابه «تحرير المرأة» يزعم أنه يدافع عن الحجاب، ويكتفى فقط بالدعوة إلى كشف الوجه واليدين، نجده في كتابه «المرأة الجديدة» يشن حربًا ضد الحجاب الإسلامي، ويصفه بأبشع الصفات، حيث كان يقول في «تحرير المرأة»: «إننى لا أزال أدافع عن الحجاب، وأعتبره أصلًا من أصول الآداب التي يلزم التمسك بها»، أما في «المرأة الجديدة» فقال: «إن إلزام النساء بالحجاب هو أقسى وأفظع أشكال الاستعباد»، وفى موضوع ثان: « أما الحجاب فضرره أنه يحرم المرأة من حريتها الفطرية»، وفى موضع ثالث: «الحجاب عادة لا يليق استعمالها في عصرنا»، وفى موضع رابع: «الكل متفقون على أن حجاب النساء هو سبب انحطاط الشرق»، وفى موضع خامس: «أول عمل يعد خطوة في سبيل حرية المرأة هو تمزيق الحجاب»!!

وبينما كان قاسم أمين في كتابه «تحرير المرأة» يمدح النساء الغربيات على استحياء، نجده في كتابه «المرأة الجديدة» يجعلهن القدوة والنموذج للمرأة المسلمة، فقال: «دخلت المرأة الغربية في طور جديد، وأخذت في تثقيف عقلها وتهذيب أخلاقها شيئًا فشيئًا، ونالت حقوقها واحدًا بعد الآخر، واشتركت مع الرجال في شئون الحياة البشرية، وشاركتهم في طلب العلم في المدرسة، وسماع الوعظ في الكنيسة، وجالستهم في منتديات الأدب، وحضرت في الجمعيات العلمية، وساحت في البلاد… هذا التحويل هو كل ما نقصده، غاية ما نسعى إليه هو أن تصل المرأة المصرية إلى هذا المقام الرفيع»، وفى موضع ثان: «ليس من الممكن أن تصل المرأة إلى هذه المنـزلة الأدبية ما دامت في الحجاب، ولكن من السهل جدًا أن تصل إليها بالحرية، تصل إليها كما وصلت إليها غيرها من النساء الغربيات. فإنا نرى أنه كلما زيد في حرية المرأة الغربية زاد عندها الشعور بالاحترام لنفسها ولزوجها ولعائلتها».

بينما كان قاسم أمين في كتاب «تحرير المرأة» يمدح الإسلام ويثنى على شرائعه، ويفضله على غيره، نجده في كتابه «المرأة الجديدة» يصف الإسلام بأبشع الصفات ويفضل غيره عليه ولو كان تراث اليونان، يصفه تارة بأنه غير كامل، فيقول:: «الكمال البشرى لا يجب أن نبحث عنه في الماضي، بل إن أراد الله أن يمن على عباده فلا يكون إلا في المستقبل البعيد جدًا»، ويقول معرضًا بأن الإسلام استعبد المرأة: «عاشت المرأة حرة في العصور الأولى، حيث كانت الإنسانية لم تزل في مهدها، ثم بعد تشكيل العائلة وقعت في الاستعباد الحقيقي».

ورغم دفاعه المستميت عن كل الضوابط المتصلة بالنساء في الإسلام في كتابه الأول، كالطلاق وتعدد الزوجات، إلا أن «قاسم أمين» عاد وانقلب عليها تماما في كتابه الثانى.

يقول قاسم أمين: « الحجاب الموجود عندنا ليس خاصًا بنا، ولا أن المسلمين هم الذين استحدثوه، ولكنه عادة، معروفة عند كل الأمم تقريبًا»، مضيفا: «لا نجد نصًا في الشريعة يوجب الحجاب على هذه الطريقة المعهودة، وإنما هي عادة عرضت عليهم من مخالطة بعض الأمم فاستحسنوها وأخذوا بها، وبالغوا فيها، وألبسوها لباس الدين؛ كسائر العادات الضارة التي تمكنت في الناس باسم الدين والدين براء منها»، وفى موضع آخر يقول: « الحجاب على ما ألفناه مانع عظيم يحول بين المرأة وارتقائها، وبذلك يحول بين الأمة وتقدمها»، وفى موضع آخر: «إن الضرر في الحجاب عظيم».

في المقابل حرص «قاسم أمين» على تزيين السفور ومخالطة الرجال دون ضابط أو رابط، فقال: «إن المرأة التي تخالط الرجال تكون أبعد عن الأفكار السيئة من المرأة المحجوبة».

ثم يمتدح الغرب وعاداتهم متسائلا في سخرية: «هل يظن المصريون أن رجال أوربا، مع أنهم بلغوا من كمال العقل والشعور مبلغًا مكنهم من اكتشاف قوة البخار والكهرباء واستخدامها على ما نشاهده بأعيننا، وأن تلك النفوس التي تخاطر في كل يوم بحياتها في طلب العلم والمعالى وتفضل الشرف على لذة الحياة، هل يظنون أن تلك العقول وتلك النفوس التي نعجب بآثارها يمكن أن يغيب عنها معرفة الوسائل لصيانة المرأة وحفظ عفتها؟ هل يظنون أن أولئك القوم يتركون الحجاب بعد تمكنه عندهم لو رأوا خيرًا فيه؟ كلا!. وإنما الإفراط في الحجاب من الوسائل التي تبادر عقول السذج وتركن إليها نفوسهم ولكنها يمجها كل عقل مهذب وكل شعور رقيق»!

عقد «قاسم أمين» بحثًا كاملًا عن الحجاب في كتابه وساق فيه بعض نصوص القرآن والسنة التي يظنها تشهد لرأيه تاركًا -عن عمد- ما يخالف رأيه من النصوص الشرعية الصحيحة الصريحة، يقول قاسم: « فالعفة التي تكلف بها النساء يجب أن تكون من كسبهن ومما يقع تحت اختيارهن لا أن يكن مستكرهات عليها، وإلا فلا ثواب لهن في مجرد الكف عن المنكر. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:»من عشق فعف فكتم فمات فهو شهيد»، وهذا حديث موضوع.

اللافت في الأمر أن زوجة قاسم أمين كانت محجبة في حياته، وظلت على احتشامها بعد وفاته!!
أما شريف الشوباشى ذو السبعين عاما، فقد قصر رسالته على دعوة المحجبات إلى خلع حجابهن مطلع الشهر المقبل في ميدان التحرير، وهى الدعوة التي فتحت عليه «نار جهنم» لفرط سذاجتها، ولم يتعاطف معه سوى زوجة شقيقه «فريدة الشوباشى».
«الشوباشى» يرى في دعوته إيذانا بـ «ثورة نسوية جديدة»، في إطار حصولها على ما قال إنه «حقوق ضائعة»، وتمهيد لمساواتها بالرجل، ما يشى بأنه يعيش خارج نطاق الزمن.

تخرج «الشوباشى « في ليسانس الأداب في اللغة الفرنسية من جامعة القاهرة عام 1967، وعمل عاما بوكالة أنباء الشرق الأوسط سنة 1969، ثم انتقل إلى العمل بإذاعة القاهرة ثم عمل كمحرر دبلوماسى بمجلة المصور، وكلف بإدارة مهرجان القاهرة السينمائى 4 دورات، ولم تكن هذه المرة الأولى التي يبوح فيها الشوباشى بدعوته، فقد كررها في عام 1992.

كان الشوباشى كتب على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»: «هل هناك فتاة أو سيدة في مصر مستعدة أن تكرر ما صنعته هدى شعراوى عام 1923، فتقوم بخلع الحجاب في قلب ميدان التحرير؟ ويحيط بها رجال لحمايتها من تجار الدين والسفهاء؟ وسأكون أنا أول مَن يقف إلى جوارها.. أرجو من الأصدقاء التفكير جديا في هذا، واقتراح إمكانية تنفيذه، لتوجيه ضربة جديدة موجعة للإسلام السياسي». لم يكتف «الشوباشى» بذلك، بل خاطب المحجبات قائلا: «إذا كنتِ بترتدى الحجاب خوفًا من والدك أو أخوكِ أو زوجك، فأنا بقولك اخلعى الحجاب»، ثم زاد على دعوته الجاهلية قائلا: إن «99% من عاهرات مصر محجبات»!
الجريدة الرسمية