حين تصبح السلامة المهنية فعل وعي لا شعارًا
في صباحٍ عادي من حيث التوقيت، لكنه استثنائي من حيث الدلالة، بدأتُ أولى خطواتي في تجربة جديدة، تدريب يضم خمسين شخصًا جُمِعوا من محافظات مصر المختلفة على فكرة واحدة، وهي أن يكونوا سفراء للعمل، ليس بالمعنى الضيق، بل بالمعنى الإنساني الأوسع. تدريب يأتي تحت مظلة وزارة العمل، وبرعاية وزير العمل السيد محمد جبران، ليحمل في طياته رسالة تتجاوز حدود القاعات المغلقة، وتستهدف المجتمع بأسره.
منذ اللحظة الأولى، بدا واضحًا أن الأمر لا يتعلق بمحاضرات نظرية تُقال وتُنسى، بل بمسؤولية حقيقية تُحمَّل على عاتق كل مشارك، مسؤولية نشر الوعي والمعرفة والثقافة المتعلقة بالصحة المهنية والسلامة، داخل المجتمعات المحلية، حيث تتقاطع حياة الناس اليومية مع العمل، والخطر، والبيئة، والإنسان.
ومع أول محاضرة في هذا التدريب، كان الدخول مباشرًا إلى جوهر القضية وهو السلامة والصحة المهنية. ذلك المفهوم الذي قد يظنه البعض ترفًا تنظيميًا أو بندًا إداريًا، بينما هو في حقيقته خط الدفاع الأول عن الإنسان، وعن قيمة العمل ذاتها.
السلامة والصحة المهنية ليست رفاهية، ولم تكن يومًا خيارًا ثانويًا. إنها ضرورة وجودية، لأنها تمس جوهر العملية الإنتاجية من العنصر البشري، وتحمي المقدرات المادية، وتصون البيئة التي نعيش ونعمل فيها. فكل إصابة تُمنَع، وكل خطر يُدار، وكل بيئة عمل تُؤمَّن، هي استثمار مباشر في الإنسان قبل أن تكون إجراءً وقائيًا.
ولعل ما يمنح هذا الملف ثقله الحقيقي، هو إدراك الدولة المصرية لأهميته، حيث تحظى السلامة والصحة المهنية باهتمام خاص من السيد رئيس الجمهورية الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومن مختلف الأطراف المعنية، باعتبارها جزءًا أصيلًا من خطة مصر للتنمية المستدامة 2030. فالتنمية لا تُقاس فقط بالمشروعات العملاقة أو الأرقام الاقتصادية، بل بقدرة الدولة على حماية الإنسان الذي يقف خلف كل إنجاز.
إن الحديث عن السلامة المهنية هو في جوهره حديث عن الحق في الحياة الكريمة، وعن بيئة عمل آمنة تحفظ للإنسان صحته وطاقته وكرامته. ولهذا، فهي ليست مجرد سياسات أو لوائح، بل مبدأ أساسي وحق أصيل من حقوق ومبادئ العمل الأساسية التي أقرتها المواثيق الدولية، وتسعى الدول الحديثة إلى ترسيخها واقعًا ملموسًا لا نصوصًا جامدة.
ولذلك أحسب اليوم الأول من التدريب بمثابة تذكير عميق بأن العمل الآمن ليس ترفًا تنظيميًا، بل ثقافة تُبنى، ووعي يُزرع، ومسؤولية يشترك فيها الجميع: الدولة، والمؤسسات، والعامل، والمجتمع ولعلنا سنأخذ رحلة سويًا في عدة مقالات لنتحدث عنها باستفاضة، ولكي يكون لنا دور حقيقي وفعال في مجتمعنا ولتنمية بلدنا الحبيبة مصر.