اعتراف نتنياهو بإقليم أرض الصومال خطر يهدد المنطقة.. الكيان الصهيوني يبدأ مخطط إسرائيل الكبرى.. وتحالف الاحتلال مع إثيوبيا لتطويق مصر والسعودية في البحر الأحمر
الاعتراف بإقليم أرض الصومال، في خطوة، اعتبرها المحللون السياسيون أنها تمثل خطورة بالغة على الأمن القومي لمصر والسعودية، اعترف رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، أمس الجمعة، بإقليم أرض الصومال "صوماليلاند" كدولة مستقلة، ليكون بذلك أول اعتراف رسمي بالإقليم الانفصالي، والذي يُعد جزءا من دولة الصومال، الذي يريد الاحتلال الإسرائيلي وإثيوبيا انفصاله لتفتيت الصومال وإيجاد ميناء حيوي واستراتيجي لهم على البحر الأحمر.
حكاية إقليم أرض الصومال الانفصالي
ويطرح البعض العديد من التساؤلات عمن يقف وراء هذا الاعتراف المفاجئ؟ وعن سبب هذا الاعتراف الآن؟ ومن هي الجهة المستهدفة فعليًا من وراء ذلك الاعتراف؟

بداية حكاية إقليم أرض الصومال أو صوماليلاند، كانت في عام 1991، عندما أعلن الإقليم انفصاله عن الصومال، حيث يتمتع الإقليم باستقرار أمني نسبي، ولديه مؤسسات محلية وعملة خاصة، ويقدّم نفسه باعتباره يسعى لاستعادة "استقلاله التاريخي" كمحمية بريطانية سابقة.
يؤكد المحللون السياسيون أنه وفق القانون الدولي، لا يزال الإقليم جزءًا لا يتجزأ من دولة الصومال، لكن مع انطلاق مشروع إسرائيل للسيطرة على موانئ المنطقة عام 2013، بدأت العلاقات مع إقليم أرض الصومال يأخذ مسار أخر ومتسارع عبر وسطاء للاحتلال، وجاء التحول الحقيقي في 2016، مع الاستحواذ على ميناء بربرة، حيث تم إنشاء قاعدة عسكرية بالميناء عام 2017، ثم تحول لاحقا لمنشأة مدنية- عسكرية مشتركة.
وهنا جاء الدور الإسرائيلي مع وكلائها في المنطقة، حيث أرادت إسرائيل تحجيم الحضور التركي الكبير في الصومال في إطار خططها لتطويق وتحجيم أي نفوذ تركي، وليس هذا فحسب بل لـ السيطرة على باب المندب، ولاستهداف الدول المتشاطئة للبحر الأحمر وخاصة مصر والسعودية.

جسر التقارب بين إسرائيل وإثيوبيا في ميناء بربرة
لعب شركاء إسرائيل دورًا كجسر للتقارب مع أرض الصومال، حيث بدأت تل أبيب بالاستفادة من ميناء بربرة كمركز لوجستي، ذي بعد أمني لمراقبة البحر الأحمر، واكتسب إقليم أرض الصومال أهمية متزايدة لدى تل أبيب، مع تصاعد الخلاف المصري– الإثيوبي حول سد النهضة.

ويقول المحللون السياسيون إن القاهرة سعت لتحجيم دور إثيوبيا في تفتيت المنطقة، وخلق صراعات في البحر الأحمر، وقامت بتحجيم سياسات أديس أبابا التوسعية من خلال تعزيز علاقتها مع الصومال، حيث وقعت في يوليو 2023 اتفاقية دفاع مشترك مع الصومال، وشملت الاتفاقية تدريب الجيش الصومالي، وإرسال مستشارين عسكريين مصريين للصومال، الأمر الذي أثار غضب أثيوبيا.
وقامت إثيوبيا من خلال صداقتها وتعاونها مع الاحتلال الإسرائيلي، بمعاونة نتنياهو، الذي يسعى لإفشال التحركات المصرية تجاه إثيوبيا، بل وقطع الطريق عليها بالكامل، وهذا التوجه ليس جديدًا، فهو إحياء لخطة تُعرف باسم "المحيط"، وحلم إسرائيل الكبرى الذي أطلقه بن جوريون عام 1958، لتطويق الدول العربية، لكن بصيغة أوسع هذه المرة تشمل العرب وتركيا وإيران معًا.
في 22 ديسمبر الجاري، اجتمع نتنياهو مع قادة قبرص واليونان لبحث إنشاء حلف عسكري، وقال عقب الاجتماع: "لمن يتخيلون أنهم قادرون على إعادة تأسيس إمبراطورياتهم انسوا ذلك"، ورغم أن الرسالة موجهة لأنقرة، لكنها تشمل القاهرة والرياض أيضا، فنتنياهو أراد أن يقول إنه لن يقف متفرجًا على صعود قوة إقليمية أكبر منه (مصر- السعودية- تركيا).
إعلان نتنياهو والمشروع العسكري التركي في شرق إفريقيا
أكد المحللون السياسيون أن إجراءات اعتراف نتنياهو بإقليم "صوماليلاند" جاءت في توقيت غريب، عقب إعلان تركيا في 17 ديسمبر عن أحد أضخم مشاريعها العسكرية في شرق إفريقيا، بإنشاء مجمع تركي متكامل لتصنيع السلاح والذخيرة في مقديشو، مشيرين إلى أن هذه المعطيات تؤكد أن التحركات الإسرائيلية الأخيرة موجهة أساسًا لتقويض النفوذ التركي في القرن الإفريقي.

وأوضحوا أن الاعتراف الإسرائيلي بصوماليلاند سيجر أنقرة إلى اصطدام علني متزايد مع إثيوبيا، وهو سيناريو كانت تركيا تتحاشاه وأيضًا مصر، حيث تسعى إثيوبيا ليكون لها موطئ قدم ومنفذ بحري على البحر الأحمر، ووقعت مذكرة تفاهم مع صوماليلاند في عام 2024، لكن الإتفاقية فشلت، وقامت تركيا بالتدخل كوسيط بين الصومال وإقليم أرض الصومال.
لكن البعض يؤكد أن اعتراف إسرائيل، في هذا الوقت، بإقليم أرض الصومال كدولة، سبقه إصرار إثيوبي، فقبل أيام، نشر مكتب آبي أحمد صورة تُظهر صوماليلاند كجزء من إثيوبيا الكبرى، في إشارة واضحة إلى مطامع إثيوبية مباشرة بالمنطقة، وخاصة أن خريطتها المزعومة ضمت إليها أريتريا وجيبوتي، الأمر الذي أثار غضب الصومال وأريتريا وجيبوتي.
الطموحات الإسرائيلية في المنطقة
الطموحات الإسرائيلية- الإثيوبية باتت تهدد الأمن القومي لمصر والسعودية وتركيا والدول المتشاطئة للبحر الأحمر، وخاصة أنها تحمل خطوات توسعية لإثيوبيا وإسرائيل لتطويق المنطقة.
بعض المحللين يؤكدوا أن الطموحات الإسرائيلية- الإثيوبية تتصادم أيضًا وبشكل كلي مع المصالح التركية، ما ينذر باقتراب صدام بين أنقرة وأديس أبابا، مقابل تقارب أكبر في الرؤى بين تركيا والقاهرة.

يتزامن هذا الإعلان مع تصاعد الأحداث في اليمن، بعد سيطرة القوات الانفصالية على حضرموت، وهذه القوات لديها علاقات مع إسرائيل، بحسب صحيفة "Jerusalem Post" العبرية، التي كشفت عن زيارة مسؤولين إسرائيليين لمناطق سيطرة مليشيا المجلس الإنتقالي في أبين وعدن، والتقاء كبار المسؤولين هناك، وخاصة أن سيطرة المجلس الانتقالي في اليمن وإعلان جنوب اليمن كدولة مستقلة في صالح الكيان، الذي يعمل على السيطرة كليًا على باب المندب من ناحية اليمن والصومال.
ما يقوم به المجلس الانتقالي في اليوم، أغضب السعودية التي فطنت إلى عملية التطويق الذي يريده الاحتلال للبحر الأحمر، وتهديده لأمنها القومي، الأمر الذي دفع الرياض لإعلان رفض انفصال جنوب اليمن، خصوصًا بعد رفضها مسار التطبيع مع إسرائيل في أكتوبر الماضي.
ووفق موقع "Middle East Monitor"، تقف إسرائيل خلف اتفاق سري مع وكلائها يهدف إلى تقويض الدور السعودي في الخليج والبحر الأحمر، حيث إن اعتراف نتنياهو بأرض الصومال جاء بتنسيق إسرائيلي مع وكلائها في المنطقة، وقد يفتح الباب لاحقا لاعترافات مماثلة بمناطق سيطرة المجلس الانتقالي في اليمن ومليشيا الدعم السريع في السودان.
مصر والسعودية وجيبوتي وتركيا يرفضون اعتراف نتنياهو
وفي إطار مواجهة هذا المخطط، عُقد أول أمس اجتماع عسكري تركي–إيراني في طهران، وسبقتها سلسلة لقاءات سعودية–إيرانية، وسعودية تركية مصرية، وفور الإعلان، أجرى وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي اتصالات مع نظرائه في الصومال وتركيا وجيبوتي، رافضًا هذا الاعتراف ومؤكدًا دعم مصر لوحدة وسيادة الصومال.

أدركت دول المنطقة خطورة المحور الإسرائيلي- الإثيوبي، والذي بات يشكل خطرًا كبيرًا قادمًا، وأن المعركة الكبرى تتطلب توحدًا حقيقيًا، حيث إن إسرائيل وأذرعها يسعون لتحييد الدول المؤثرة في المنطقة، مصر والسعودية، وتحويلهم إلى كيانات ضعيفة وغير مستقرة، لتنفيذ مخطط تطويق المنطقة.
جاء إعلان نتنياهو من خلال اتصال مباشر مع زعيم الإقليم الانفصالي، الذي بادر بدوره إلى إعلان اعترافه بإسرائيل واستعداده للانضمام إلى ما يُسمّى "الاتفاقات الإبراهيمية"، وبذلك تصبح إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي تعترف بالإقليم الانفصالي "أرض الصومال" كدولة مستقلة، في خطوة تمهّد لتحويل الإقليم إلى منصة عسكرية واستخباراتية رسمية لإسرائيل عند مدخل البحر الأحمر، بما يحمله ذلك من تهديد مباشر لأمن المنطقة وتوازناتها.
تسويق الغرب لانفصال أرض الصومال
هذه التطورات ليست مفاجأة، بل تأتي في سياق متدرّج ومكشوف جرى التحضير له سياسيًا وإعلاميًا خلال السنوات الأخيرة، فقد تصاعد في الإعلام الغربي، خصوصًا في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، خطاب يدعو إلى الاعتراف بـ"أرض الصومال" وتسويقها كنموذج "دولة مستقرة وديمقراطية نسبيًا"، في مقابل تقديم الصومال الفيدرالي في مقديشو باعتباره دولة فاشلة وغير قابلة للتطور، مع تجاهل متعمد لتعقيدات الواقع السياسي والأمني، ولدور التدخلات الخارجية في استمرار هشاشته، وبالرغم من رفض ترامب أن يحذو حذو ترامب بالاعتراف بأرض الصومال كدولة، لكن ذلك لا ينفي أنه قد يفعل ذلك مستقبلًا، ما يهدد استقرار وأمن المنطقة كلها.

وخلال السنوات الأخيرة، كثفت قيادات "أرض الصومال" اتصالاتها بدول مختلفة، عارضةً شراكات اقتصادية وأمنية مقابل الاعتراف بانفصال الإقليم عن الصومال. وحسّنت علاقاتها مع إسرائيل ووكلائها، حيث رفع بعضهم مستوى التمثيل الدبلوماسي لها في العاصمة الانفصالية هرجيسا، في خطوة أثارت حينها تحفظات صومالية واسعة، وذلك بدون اعتراف رسمي بانفصال الإقليم.
رفض الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول للاعتراف
خطوة الاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة ومنفصلة عن أرض الصومال رفضها الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، اللذان اعتبرا ذلك الاعتراف مرفوضًا وأنه يهدد الأمن والسلم في قارة إفريقيا والدول العربية، كما رفضته مصر والسعودية وتركيا، والعديد من دول العالم.

أما توقيت إعلان نتنياهو اعترافه بإقليم "صوماليلاند"، وهو المسار الإسرائيلي الأكثر خطورة، فقد جاء في توقيت يعكس تلاقي المصالح بين تل أبيب وأديس أبابا لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للبحر الأحمر والقرن الأفريقي، والضغط على الدول الرافضة لهذا المشروع، وفي مقدمتها مصر والسعودية وجيبوتي وتركيا.
هذا التطور الخطير كذلك يستهدف إعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية في القرن الأفريقي والبحر الأحمر، وفتح ثغرات استراتيجية قد تُستخدم مستقبلًا للضغط على الأمن المائي والبحري والتجاري والسياسي لدول المنطقة.
محور مصر والصومال مقابل إسرائيل وإثيوبيا
علق الخبير السياسي سامح عسكر على إعتراف إسرائيل بأرض الصومال فقال: "هل الاعتراف الإسرائيلي متعلق بمحاور يجري تشكيلها؟ إذا صدق ذلك فهذا يعني تكوين محاور هذه القضية، محور مصر والصومال يتضمن (مصر، الصومال، جيبوتي، تركيا)، يرفض تفكيك الصومال ويدعم وحدتها لأسباب متعددة سياسية وجغرافية واقتصادية وعسكرية، ومحور صوماليلاند ويتضمن (إسرائيل، صوماليلاند، أثيوبيا...)

وأكد سامح عسكر أن "إسرائيل باعترافها بصوماليلاند تريد السيطرة على مدخل مضيق باب المندب الجنوبي، تمهيدًا لإقامة قواعد عسكرية هناك للتصدي للحوثيين، المسافة بين صوماليلاند وساحل اليمن 300 كم فقط، ومصر تريد وحدة الصومال وعدم وجود أي نفوذ عسكري وسياسي لإثيوبيا وإسرائيل هناك لتعلق ذلك بمخاطر سد النهضة على الأمد الطويل".
وأضاف سامح عسكر "قد لا تكون هناك مخاطر فعلية قريبة على مصر، ولكن على الأمد الطويل يعني النفوذ الإسرائيلي بصوماليلاند إضافة للأثيوبي يعني تهديد قناة السويس من جهة، وحرية الملاحة المصرية في أوقات السلم والحرب من جهة مختلفة، إَضافة لاحتمالية تنصيب إسرائيل شبكات رادار وتجسس وأنظمة استشعار ومسيرات وغواصات صغيرة في صوماليلاند يمكنها فعل عمليات إرهابية تهدد مصر والملاحة بقناة السويس بشكل عام".