فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

بعد خفض الفائدة.. القرار يعزز شهية المستثمرين والحذر يسيطر على الأجانب.. تحركات الذهب مرهونة بسعر الصرف والأسواق العالمية.. وخبراء يحذرون من أخطاء تسعير الطروحات الحكومية

البنك المركزي
البنك المركزي

سادت حالة من التباين في آراء الخبراء والمحللين بشأن مستقبل الاستثمار والبورصة وأسعار الذهب، عقب قرار لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري خفض أسعار الفائدة بواقع 100 نقطة أساس، في آخر اجتماعاتها خلال عام 2025. 

ويرى عدد من الخبراء أن البنك المركزي لا يزال ماضيًا في مساره نحو خفض تدريجي لأسعار الفائدة، بالتوازي مع استمرار الجهود الرامية إلى محاصرة التضخم وإجباره على العودة إلى مستويات أحادية خلال الشهور المقبلة، مستفيدًا من تحسن نسبي في بعض المؤشرات الاقتصادية.

ويُعد خفض أسعار الفائدة خطوة محورية في مسار السياسة النقدية، تعكس قراءة متأنية للمتغيرات الاقتصادية المحلية والعالمية، إذ لا يقتصر تأثيرها على تحفيز الاستثمار فحسب، بل يمتد ليشمل السيطرة على التضخم، ودعم النمو الاقتصادي، والحفاظ على استقرار الأسواق خلال المرحلة المقبلة.

قراءة اقتصادية لقرار خفض الفائدة

في هذا السياق، قالت الدكتورة درية ماضي، مدرس التمويل والاستثمار بجامعة عين شمس، إن قرار البنك المركزي بخفض الفائدة جاء نتيجة مجموعة من العوامل المتداخلة، في مقدمتها التراجع النسبي في معدلات التضخم مقارنة بذروته السابقة، ما أتاح مساحة أكبر للمناورة النقدية.

وأضافت أن من بين هذه العوامل أيضًا الحاجة إلى دعم النشاط الاقتصادي بعد فترة من السياسات الانكماشية التي ركزت على كبح التضخم، إلى جانب ارتفاع تكلفة التمويل وتأثيره السلبي على الاستثمار والإنتاج، فضلًا عن سعي البنك المركزي لتحقيق توازن بين استقرار الأسعار وتحفيز النمو بدلًا من التركيز على هدف واحد.

وأوضحت أن القرار يمثل انتقالًا تدريجيًا من سياسة نقدية شديدة الصرامة إلى سياسة أكثر مرونة، مع استمرار الحذر في إدارة الضغوط التضخمية.

تأثير القرار على معدلات التضخم

وأشارت الدكتورة درية، في تصريحات لـ«فيتو»، إلى أن خفض أسعار الفائدة قد يكون له تأثير مزدوج على التضخم، موضحة أنه على المدى القصير من المتوقع أن يكون التأثير محدودًا، خاصة إذا ظل الطلب الاستهلاكي تحت السيطرة.

أما على المدى المتوسط، فقد يؤدي تحفيز الاقتراض وزيادة السيولة إلى ضغوط تضخمية محتملة، حال عدم توافر نمو حقيقي في الإنتاج، مؤكدة أن السيطرة على التضخم تظل مرتبطة بسرعة استجابة جانب العرض وتحسن بيئة الأعمال والاستثمار.

دعم الاستثمار والنمو الاقتصادي

وأكدت أن خفض الفائدة يمثل إشارة إيجابية للمستثمرين، إذ يسهم في تقليل تكلفة الاقتراض للمشروعات الجديدة والقائمة، ويشجع الشركات على التوسع وزيادة الطاقة الإنتاجية، كما يدعم الاستثمارات طويلة الأجل بدلًا من الاعتماد على أدوات العائد الثابت.

وشددت على أن الأثر الكامل للقرار على النمو الاقتصادي يظل مرهونًا بمدى ثقة المستثمرين، واستقرار البيئة الاقتصادية والتشريعية، وقدرة السوق على استيعاب السيولة الجديدة بشكل منتج.

البورصة بين الفرص والتحديات

من جانبها، لم تكن البورصة المصرية بعيدة عن تداعيات قرار خفض الفائدة، إذ يرى العديد من الخبراء أن أداء سوق المال يرتبط ارتباطًا وثيقًا بسياسات رفع أو خفض أسعار الفائدة.

وفي هذا الإطار، قال محمد سعيد، خبير أسواق المال، إن طرح 11 شركة حكومية في البورصة المصرية يأتي في توقيت يتداخل فيه عامل الفرص مع التحديات، لا سيما في ظل المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي، ما يجعل التوقيت الحالي غير مثالي بشكل كامل، لكنه يظل ممكنًا حال الالتزام بالتنفيذ السليم.

وأوضح في تصريحات لـ«فيتو» أن الأوضاع العالمية، وعلى رأسها تقلبات الأسواق، واستمرار سياسات التشديد النقدي، وارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، تفرض قدرًا من الحذر على المستثمرين الأجانب، وهو ما ينعكس على تكلفة التمويل ومستويات التقييم.

تحسن نسبي في المؤشرات الكلية

وفي المقابل، أشار سعيد إلى أن الاقتصاد المصري سجل تحسنًا نسبيًا في عدد من المؤشرات الكلية، من بينها تراجع معدلات التضخم، وزيادة حجم الاحتياطي النقدي، واستقرار سعر الصرف عقب التعويم، وهو ما يتيح فرصة لنجاح الطروحات الحكومية، بشرط عدم تنفيذها دفعة واحدة.

وأكد أهمية الالتزام بجدول زمني مدروس يراعي قدرة السوق على الاستيعاب، بما يمنع سحب السيولة المتاحة ويحد من الضغوط السلبية على الأسعار.

تحذيرات من أخطاء التسعير

وحذر خبير أسواق المال من أخطاء وصفها بالخطيرة في تسعير الطروحات، سواء بالمبالغة في التقييم بهدف تحقيق حصيلة أعلى، ما قد يؤدي إلى فشل الاكتتاب أو تراجع السهم فور بدء التداول، أو على النقيض، التسعير المنخفض تحت ضغط الحاجة للسيولة، بما يمثل إهدارًا للمال العام ويبعث برسائل سلبية للمستثمرين.

وأوضح أن نجاح الطروحات الحكومية يتوقف على اقترانها بإصلاحات هيكلية حقيقية تشمل تحسين الحوكمة، وتعزيز الشفافية، وتوسيع قاعدة الملكية لصالح القطاع الخاص، بما يسهم في تعميق سوق المال وجذب استثمارات طويلة الأجل.

الذهب يستفيد بحذر من خفض الفائدة

أما على صعيد سوق الذهب، فأوضح محللون أن خفض أسعار الفائدة قد يمنح المعدن النفيس دفعة صعودية، نتيجة تراجع جاذبية الادخار البنكي، وزيادة الإقبال على الذهب كأداة لحفظ القيمة، خاصة لدى صغار المستثمرين والأفراد.

إلا أن الخبراء أكدوا أن حركة الذهب لا تتأثر بقرار الفائدة المحلي وحده، بل تتداخل معها عوامل أخرى، أبرزها أسعار الذهب عالميًا، وتغيرات سعر صرف الجنيه، ومستويات العرض والطلب داخل السوق المحلية، وهو ما قد يحد أحيانًا من التأثير المباشر لقرار البنك المركزي.

وتوقع محللون أن تتحرك أسعار الذهب بشكل متوازن خلال الفترة المقبلة، إلى حين اتضاح الرؤية بشأن اتجاه السياسة النقدية ومستقبل معدلات التضخم، سواء على الصعيد المحلي أو العالمي.

جدير بالذكر أن لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي المصري قررت، في اجتماعها يوم 25 - 12 - 2025 خفض سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي، بواقع 100 نقطة أساس، لتصل إلى 20.00% و21.00% و20.50% على الترتيب.

ويبقى قرار خفض الفائدة عنصرًا مؤثرًا في أسواق الاستثمار والذهب والبورصة، لكنه يظل جزءًا من منظومة أوسع من العوامل الاقتصادية، ما يجعل حالة الترقب الحذر هي السمة الغالبة على أداء الأسواق خلال المرحلة الحالية.