هل تقترب اليابان من الخيار النووي؟ مجلة يابانية تكشف تصريحات لمسئول مقرب من رئيسة الحكومة.. وتحذيرات من تصاعد التوترات الإقليمية وتهديد الترسانة النووية الصينية المتنامية
قبل أكثر من 80 عاما، وتحديدا في أغسطس من عام 1945، تعرضت اليابان لكارثة نووية ما زالت ذكراها تفجع العالم، حيث أصدر الرئيس الأمريكي هاري ترومان أوامره بإطلاق أول قنبلة ذرية على مدينة هيروشيما في عملية عرفت باسم "الولد الصغير"، وأعقبها إسقاط قنبلة "الرجل البدين" على نجازاكي، قبل أن يغلق ترومان على نفسه باب مكتبه باكيا، بحسب وسائل إعلام أمريكية.
ومنذ ذلك الحين أسست اليابان عقيدتها النووية عبر ثلاثة مبادئ هي: لا أملك أسلحة نووية، لا أنتج أسلحة نووية، ولا أسمح بوجود أسلحة نووية على أراض يابانية.
لكن يبدو أن تلك العقيدة ستتغير في ظل الحكومة اليابانية الحالية برئاسة ساناي تاكايتشي، بحسب ما نشرته مجلة "شوكان بونشون" اليابانية، والتي كشفت النقاب عن هوية المسؤول الياباني الذي أكد ضرورة امتلاك طوكيو لأسلحة نووية، مشترطا عدم ذكر اسمه.
وبحسب المجلة، فإن ذلك المسئول هو مستشار رئيسة الوزراء اليابانية لشئون نزع السلاح النووي ومنع الانتشار ساداماسا أوي.
القرار لا يشبه شراء حلوى من متجر صغير
تقول المجلة: "وفقا لبيانات الحكومة، فإن أوي ليس مسؤولا عن قضايا الأمن القومي فحسب، بل أيضا عن المسائل المتعلقة بالأسلحة النووية، وتحديدا نزع السلاح النووي وعدم الانتشار".
وتضيف: في 18 ديسمبر الماضي، نسبت تصريحات صحفية إلى مسؤول لم يذكر اسمه من مكتب رئيس الوزراء الياباني، بأنه يعتقد أنه من الأهمية بمكان أن تصبح اليابان دولة مسلحة نوويا. ونقلت وكالة "كيودو" للأنباء عن المسؤول قوله: أعتقد أننا يجب أن نمتلك أسلحة نووية. ففي نهاية المطاف، لا يمكننا الاعتماد إلا على أنفسنا.
لكنه اعترف بأن "هذا القرار لا يمكن اتخاذه بشكل متسرع مثل شراء الحلوى من متجر صغير"، بحسب وصفه.
تاكايتشي.. امرأة اليابان الحديدية
وتشير المجلة إلى أنه "اتضح أن هذا المسؤول هو أوي، وهو ضابط سابق في قوات الدفاع الجوي اليابانية، وشغل منصب مستشار وزير الدفاع للشؤون السياسية منذ عام 2023، وعين مستشارا لرئيس الوزراء في حكومة تاكايتشي، وهو من مواليد مدينة نارا التي تنحدر منها تاكايتشي، وتربطه علاقة قوية برئيسة الوزراء التي تؤكد أن قدوتها هي رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارجريت تاتشر"، في إشارة إلى سعيها لأن تكون امرأة يابان الحديدية.
انتقادات علنية
وتضيف: اعتبرت المصادر أن تعيين شخص يعترف في أحاديثه الخاصة بضرورة امتلاك أسلحة نووية، في منصب يتعلق بنزع السلاح النووي يثير تساؤلات حول مسؤولية قيادة البلاد في سياسة اختيار الكوادر، وأنه كان من المفترض أن تؤدي هذه التصريحات إلى استقالته، لكن ذلك لم يحدث نظرا لعلاقته الوثيقة برئيسة الحكومة.
القنبلة في القبو
على الرغم من أن الحكومة اليابانية تؤكد أنها لا تزال ملتزمة بالمبادئ الثلاثة لحظر الأسلحة النووية، إلا أن الواقع الياباني يسير في الاتجاه المقابل؛ حيث تشير تقارير إعلامية إلى أن اليابان تتبع سياسة "القنبلة في القبو"، حيث تمتلك المواد والوسائل اللازمة لإنتاج أسلحة نووية في غضون ستة أشهر، ويعزى ذلك إلى البنية التحتية النووية المتقدمة لليابان، في الوقت نفسه تمتلك طوكيو نظام دفاع صاروخي باليستي متين ومتعدد الطبقات للتصدي لهجمات الصواريخ الباليستية.
وفي مارس 2025، كشفت تلك التقارير الإعلامية عزم اليابان على المضي قدما في تعزيز قدراتها على الرد بنشر صواريخ بعيدة المدى في جزيرة كيوشو الجنوبية، وأن مدى هذه الصواريخ يبلغ 621 ميلا، مما يعني قدرتها على ضرب أهداف داخل كوريا الشمالية والصين.
وأضافت أنه سيجري تخزين هذه الأسلحة، وهي نسخ مطورة من صواريخ "تايب 12" الموجهة أرض- بحر التابعة لقوات الدفاع الذاتي البرية اليابانية في قواعد مع حاميات عسكرية قائمة، وستكون قادرة على الدفاع عن سلسلة جزر أوكيناو ذات الأهمية الاستراتيجية.
تغيرات المشهد الآسيوي
على الرغم من رسائل التهدئة التي بعثت بها رئيسة الوزراء لجارتها بكين، وآخرها ما أعلنته اليوم الخميس من أن أبواب التعامل ما تزال مفتوحة مع الصين، إلى أن تصريحاتها في نوفمبر الماضي كشفت أن احتمالات التصعيد تبدو أقرب من احتمالات التهدئة وتحديدا فيما يتعلق بملف تايوان؛ حيث قالت إن الجيش الياباني يمكن، من الناحية النظرية، نشره إذا ما شنت الصين هجوما على تايوان، ما أثار ردا حادا من بكين شمل فرض قيود على السياح الصينيين المتوجهين إلى اليابان، إلى جانب انتقادات علنية لتاكايتشي.
أصوات معارضة داخل اليابان
وبحسب تقرير نشره البنتاجون مؤخرا، فإنه "بحلول 2030 قد تصل الترسانة النووية الصينية إلى ألف رأس حربي""، ما يمثل تهديدا مباشرا على الجارة اليابانية، وهو تهديد ربما كان الشاغل الأكبر بالنسبة للمسؤول أوي المقرب من تاكايتشي.
لكن يبقى أن تلك التصريحات تواجه بأخرى مناوئة حتى داخل الحزب الحاكم نفسه، وهو ما عبر عنه كبير أمناء مجلس الوزراء مينورو كيهارا بأن "الحكومة اليابانية ستواصل التزامها بالمبادئ التقليدية المتمثلة في عدم امتلاك أو إنتاج أو استيراد الأسلحة النووية".