فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

عباقرة ولكن مجهولون، الشيخ "عبد المجيد اللبان" أول عميد لأصول الدين وأول أزهري يفوز بعضوية مجلس النواب

الشيخ عبد المجيد
الشيخ عبد المجيد اللبان، فيتو

على مر التاريخ الإسلامي لمعت أسماء عباقرة في مختلف المجالات مثل: ابن الخطاب، والصديق، وعلي بن أبي طالب، وعمر بن عبد العزيز، والبخاري، والشافعي، وابن حنبل، ابن سينا.. ابن رشد.. الكندي.. الفارابي.. الخوارزمي.. الطبري.. أبو حامد الغزالي.. البوصيري.. حتى محمد عبده.. المراغي.. المنفلوطي.. رفاعة الطهطاوي.. طه حسين.. العقاد.. أحمد شوقي.. عبد الحليم محمود.. محمد رفعت.. النقشبندي.. الحصري.. عبد الباسط.. وغيرهم، في العصر الحديث.

لكن هناك أسماء مهمة كان لها بصماتها القوية على العلم والحضارة، ولا يكاد يعرفها أحد، وفي هذه الحلقات نتناول سير بعض هؤلاء العباقرة المجهولين.

عباقرة ولكن مجهولون، الشيخ "عبد المجيد اللبان"

 أول عميد لأصول الدين وأول أزهري يفوز بعضوية مجلس النواب

 

عطاؤه لم تكن له حدود، وعلمه طبق الآفاق، إلا أن شهرته كانت بقدر رغبته في الظهور، فقد كان، رحمه الله، زاهدا في الشهرة، راغبا عن الظهور.

من هو الشيخ اللبان؟

هو الشيخ عبد المجيد بن إبراهيم اللبان، أول شيخ وأول عميد لكليَّة أصول الدين، ينتهي نسبه إلى الشيخ شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد المؤمن الدمشقي المصري الشافعي (المتوفى عام 749هـ/ 1349م)، والذي ينتهي نسبه إلى الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما.

وأصول هذه الأسرة كانت تقيم في مديرية جرجا بصعيد مصر قبل أن تنتقل إلى الغربيَّة بحكم العمل في التجارة.

ونجح كأول أزهري في الفوز بعضوية مجلس النواب في مصر.

مولده ونشأته

كان مولد الشيخ اللبان في بلدة (سنديون) التابعة لمركز فوه بمديريَّة الغربيَّة، في شهر شوال (1288هـ/ 1871م)، لأبوين كريمن ينتميان إلى أسرة عريقة.

نشأ ببلدته وحفظ القرآن الكريم في كُتَّابها، ثم التحق بالأزهر في سنة (1305هـ/ 1887م)، وتلقى فيه العلوم العربيَّة والشرعيَّة والعقليَّة على يد كبار علمائه، مثل: الشيخ سليم البشري، شيخ الأزهر الأسبق، والشيخ محمد عبده، مفتي الديار المصرية، والشيخ أحمد الرفاعي الفيومي، والشيخ محمد البحيري الديروطي، والشيخ أحمد شرف الدين المرصفي، ونال درجة العالميَّة سنة (1318هـ/ 1900م).

اهتم الشيخ اللبان بتعلم العلوم بهمة لا تعرف الملل، واشتهر بالذكاء النادر وحب الاطلاع والإخلاص للعلم والرغبة فيه؛ حتى ذاع صيته في الأزهر بين أقرانه، وأصبحت له لدى أساتذته مكانة رفيعة، حتى كان له مع بعضهم مناظرات، على غير عادة الطلاب في ذلك العصر، وعلى الأخص مع الشيخ محمد عبده، مما ساعد على بروز شخصيته والإصابة في الحكم، وتقدير الشيخ محمد عبده له.

مدرسا في الأزهر

عين للتدريس في الجامع الأزهر، ولما أُلحِقت مشيخة علماء الإسكندريَّة مطلع القرن العشرين بالتعليم الأزهري عين مدرسًا بها، ثم عضوًا بمجلس إدارتها، وأثناء وجوده في الإسكندريَّة كانت له مناظرات فكريَّة مع بعض الكتاب، وخاصة الشيخ علي يوسف، وحفني بك ناصف، وُصِفَتْ بأنَّها دروس عالية في أدب المناظرة وقوة الإقناع، ثم بعد ذلك توالت مقالاته الممتعة على الصحف اليوميَّة في الموضوعات العلميَّة والأدبيَّة والدينيَّة والسياسيَّة.

وخلال وجوده بالإسكندريَّة قرأ كتبًا كثيرة ومهمة، واشتهر بالعطف على الطلاب، والعمل على سعادتهم.

مكث في الإسكندريَّة حتى تم نقله إلى الأزهر بالقاهرة في الرابع من أكتوبر 1340هـ/1921م، بعد نقل القسم العالي من معهدي الإسكندرية وطنطا إليه، واستمر في التدريس فيه، ثم اختير مفتشًا عامًّا للأزهر والمعاهد الدينيَّة في شهر أكتوبر سنة 1923م.

الشيخ عبد المجيد اللبان، فيتو
الشيخ عبد المجيد اللبان، فيتو


وبالإضافة لذلك أسند إليه التدريس بقسم التخصص المنشأ حديثًا بالجامع الأزهر، وقد مكث مدة طويلة، كان فيها محبوبًا مكرمًا من الشعب والحكام والمسئولين.

ثم تم تعيين الشيخ اللبان عضوًا بمجلس الأزهر الأعلى، كما عُيِّنَ عضوًا في كثير من اللجان التي أُلِّفت لإصلاح الأزهر، وتعديل مناهج التدريس فيه، وغير ذلك.

وما أن بدأ امتحان شهادة العالميَّة من درجة أستاذ في الأزهر للمرة الأولى، التي تعد خريجيها للتدريس في الكليَّات الأزهريَّة، حتى كان الشيخ اللبان أحد الرؤساء الثلاثة مع كلٍّ من: الأستاذ الأكبر محمد مأمون الشناوي، وإبراهيم حمروش، وكان الشيخ عبد المجيد اللبان رئيس اللجنة التي امتحنت الشيخ محمد الخضر حسين للعالميَّة.

تلاميذه

كان له تلاميذ نجباء، فقد تخرج على يدي الشيخ اللبان الكثير من أفاضل العلماء من مدرسين وقضاة، كما كانت دروسه مصدر نبوغ طائفة كبيرة من خريجي مدرسة القضاء الشرعي ودار العلوم، الذين بدءوا حياتهم الدراسيَّة على يديه.

وممن حضروا دروسه أو أخذوا عنه من العلماء: الشيخ محمد الفحام، والشيخ عبد المجيد سليم، والشيخ إبراهيم مجاهد، والشيخ محمد عبد اللطيف دراز، والشيخ أحمد شريت، والشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد الجهني، والشيخ الحسيني سلطان، والشيخ عبد الآخر أبو زيد، والشيخ أمين الشيخ، والشيخ عبد العزيز خطاب، والشيخ إمام حسين، والشيخ محمد الأودن، والشيخ حامد محيسن، والشيخ عبد السلام العسكري، وغيرهم كثيرون، وأجاز السيد عبد الله الغماري بجميع مروياته.

مؤلفاته

تذخر المكتبة الإسلامية بالكثير من كتبه، فله كتب مدرسيَّة، طبع منها كتاب "السيرة النبويَّة"، وكتاب "دروس الأخلاق الدينيَّة"، وجاءا عند صاحب نثر الدرر باسم "رسالة في السيرة النبويَّة"، و"رسالة في الأخلاق الدينيَّة"، وذكر له صاحب معجم المؤلفين "دروس الأخلاق".

كان الشيخ اللبان موصوفا بأنَّه كان من أمثل العلماء خُلُقًا، وأقواهم دينًا، وأصحهم عقيدة، وأرفعهم شخصيَّة.

هيئة كبار العلماء

عين عضوا بهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في الثامن من ربيع الأول 1349هـ الموافق الثالث من أغسطس 1930م مع كلٍّ من: الشيخ عبد الحكم عطا، والشيخ محمد الشافعي الظواهري.
وبعد إنشاء الجامعة الأزهريَّة بموجب القانون رقم (49) لسنة 1930م في عهد الشيخ الظواهري، وقع الاختيار على الشيخ عبد المجيد اللبان ليكون أول شيخ وأول عميد لكليَّة أصول الدين، بموجب الأمر الملكي رقم (46) لسنة 1931م.

اجتماعيا

وضمن نشاطه الاجتماعي أسس في مدينة الإسكندريَّة سنة (1333هـ/ 1914م) جمعيَّة إرشاد الخلق إلى الحق، التي ضمت كثيرًا من العلماء والأعيان لمواساة الفقراء، وإصلاح ذات البين وإبطال شبه الملحدين، وتأسيس المدارس لتعليم مبادئ الدين والأخلاق.

وبسبب الدور الوطني والاجتماعي الكبير للشيخ اللبان تم ترشيحه عضوًا بمجلس النواب عن دائرة أبي مندور من قبل الوفد؛ وتلبية لرغبة أهالي أبي مندور، ففاز بأغلبية ساحقة، وكان العضو الوحيد النائب عن الأزهر في مجلس النواب.

وفاته

وافته المنيَّة في الرابع عشر من ذي القعدة 1361هـ/ الثاني والعشرين من نوفمبر 1942م، بعد رحلة عمريَّة جاوزت السبعين عامًا قضاها الشيخ اللبان في أروقة الأزهر الشريف، ومعاهده المختلفة، حاملًا لواء العلم، مؤديًا أمانته لطلاب الأزهر الشريف، حتى صار عضوًا بهيئة كبار العلماء، وشيخًا لكليَّة أصول الدين، تغمده الله بواسع رحمته.